Madina Documentary Films

من أجل المدينة

من أجل المدينة: 

  أنا المدينة من في الكون يجهلني                            ومن تراه درى عني وما شغل

مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنورت بقدومه لها وأصبحت سيدة الدنيا ومنها استمد المسلمون تاريخهم وحضارتهم فالمسلمون في مكة المكرمة كانوا أقلية مضطهدة هربوا بدينهم إلى المدينة المنورة إلى الذين تبوؤا الدار والإيمان, الذين يحبون من هاجر إليهم والذين لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم.

هذه هي المدينة التي بدأت تاريخ الأمة الإسلامية والتي وطد فيها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعائم أمة الإسلام على أسس من العدل والمساواة.  وأوقد فيها شعلة التغير في صحراء الجاهلية ليبني على أنقاضها حضارة سادت العالم على مدى ثمانية قرون حضارة بنيت في القرن الأول ثم استمرت ثمانية قرون وتساقطت بعد ذلك على مدى قرنين من الزمان.  حضارة علمنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذ من الشعوب والحضارات الأخرى  كل حكمة وأن نستوعب كل علم على أن يكون هدفنا عمارة الأرض وبناء الإيمان في قلوب الناس.

 فلم نكن يوما غزاة جبارين ولم نستولي على ثروات الأمم كما فعل الاستعمار الغربي والشرقي  بل كنا نسلم كل أمة أمرها وندخلهم معنا في تحقيق هدفنا الأكبر الذي عبر عنه ربعي بن عامر رضي الله عنه جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. ولم نقم محاكم تفتيش لتغير دين الناس بل إن وجود الكنائس والكنس والنصارى واليهود  في عمق بلادنا الإسلامية على مدى القرون الماضية دليل على حجم التسامح الذي بنيت عليه حضارتنا . ولقد بنينا حضارتنا على أركان متينة من العدل والمساواة وساهم كل مؤمن في بنائها فذلك الفارابي والبخاري وابن سينا وسيبويه والصقلي وموسى بن نصير ومحمد الفاتح والملك منسى موسى كلهم من غير العرب من قارات العالم القديم مع إخوانهم العرب في بناء هذه الحضارة . وتداخلوا في فسيفساء جميله كل من رآها عرَفها بالحضارة الإسلامية وكل من حاول تأطيرها في عرق أو قومية أو مذهب وجد لوحة على ديوان حضارتنا كتب عليها إن أكرمكم عند الله أتقاكم .

 وقد عرف الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه  قيمة التأريخ وأهمية بدايته بالحدث الأكبر الذي غير مجرى التاريخ وهو هجرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة.  فالإسلام بدأ في مكة ولكن الأمة الإسلامية ولدت في المدينة المنورة يوم كتبها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأول مرة في وثيقة المدينة ( المسلمون أمة من دون الناس ).

 وهكذا أصبحت المدينة المنورة بمساجدها وأوديتها وجبالها وآبارها وحراتها ومساكنها وبقيعها بل حتى بترابها ونخلها  تأريخا للأمة الإسلامية يدرسه المسلمون في أقاصي الصين واندونيسيا وكذلك مسلمو أوربا وأمريكا بنفس الكم والمحتوى الذي يدرسه طلابنا في شرقنا العربي والإسلامي. فهنا نزلت سورة وهنا حدثت غزوة ومن هذا البئر شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنا دفن بناته وابنه وهنا قام وهنا جلس وهنا جرى مع عائشة رضي الله عنها ومن هنا سار إلى قباء وهنا حاصر يهود وهنا كان يعتكف ومن هنا كان يرتقي جبل أحد.  كل أرض وكل ناحية في المدينة تحكي قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحكي معها تاريخا يشع بالنور والإحسان من نور هذا النبي عليه الصلاة والسلام .

وفي هذا الكتاب حاولنا أن نجمع تاريخ المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه  وسلم في المدينة المنورة فقد أحصاها بعض المؤرخين بتسعين مسجدا. وقد  استندوا في ذلك إلى ما قام به أمير المدينة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه  في ولاية الخليفة الوليد بن عبد الملك عام ثمان وسبعين من الهجرة النبوية بتتبع آثار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  في المواضع التي صلى بها وبنى مكان كل موضع مسجدا سميت بالمساجد العمرية وبقي واحد منها على بناءه العمري إلى يومنا هذا وهو مسجد مصبح.

وعندما عزم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في بناء هذه المساجد وجد أن بعض هذه المساجد داخل التجمعات السكانية لقبائل الأوس والخزرج والقبائل التي وفدت إلى المدينة وأسكنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حول جبل سلع وغيره من المواضع وكانت لا تزال يصلى فيها ، ولكن بعضها كان خارج نطاق التجمعات السكانية مثل مسجد الراية ومسجد السقيا لذا سن سنه عظيمة أن بناها جميعا بنسق متقارب وأصبح الرحالة والمؤرخون الذين يفدون إلى المدينة المنورة للتتبع آثار النبي صلى الله علي وسلم يستندون إلى المساجد العمرية كأساس في توثيق آثار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد أرسل الله عز وجل في كل قرن من المؤرخين والرحالة من يوثق تاريخ هذه المساجد ويبني ما هدم منها أو يؤكد تاريخ كل منها . فابن زبالة وابن شبة والسمهودي والعياشي الأول والعياشي الثاني كلهم ساهموا في حفظ هذا التراث المجيد.

 وأنا اليوم من خلال هذا الكتاب ومن خلال البرنامج التلفزيوني مساجد صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم والذي عرض في قناة الجزيرة أسير على خطاهم وبأدوات عصري من الصورة الفوتوغرافية والصورة التليفزيونية لأوثق لآثار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وللمساجد التي بناها بيده الشريفة والمساجد التي باركها بالصلاة فيها عليه الصلاة والسلام. وقد تركت المساجد التي دخلت في توسعات المسجد النبوي أو التي لا أثر لها اليوم مع ذكري لها  ولتاريخها في البرنامج التلفزيوني كمسجد غزوة بني قريظه ومسجد غزوة بني النضير ومسجد مشربه أم إبراهيم ومسجد الفسح وغيرها. راجيا الله أن أرها تبنى مرة أخرى في نفس مواضعها التي باركها بالصلاة فيها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سائلا الله جل جلاله أن يرزقني شفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم بحفظي لأثاره النبوية ونشري لهذه المعلومات في كتابي هذا وفي الكتب والبرامج ومواقع الانترنت ومتحف المدينة الاعلامي التي أسستها وأرجو من القراء الكرام أن يدعو لي ولكل من ساهم في اخراج هذا العمل والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.

                                                                             د. خالد علي حسن أبو الخير

المدينة المنورة         

Related Articles

Back to top button