ذكريات وليست مذكرات
عندما بكى أبي ظنا منه أني لن أنام معه مرافقا في المستشفى في ليفربول
والدي يرحمه الله هو علي حسن أحمد حسن أحمد أبو الخير ولد عام 1342 هجرية الموافق 1923 ميلادية وتوفي عام 1405 الموافق 1985 بعمر لا يزيد عن 63 عاما .
في عام 1402 تخرجت من جامعة الملك عبد العزيز في جده وكان المرض قد ازداد على والدي يرحمه الله في المدينة المنورة وكنا كلنا أبناءه الأربعة عمر ( يرحمه الله ) وأنا وأخي إحسان في جده وأخي فيصل في الدمام ولا يوجد في المدينة سوى أخي الأصغر فريد في الثانوية. وقد إحتار الأطباء في حالته خلال العامين الماضيين ففي بعض الأشهر تزداد نبضات القلب فنذهب به الى طبيب القلب فيعطيه دواء تنظيم ضربات القلب وتعتدل حالته الصحية لأشهر ثم تنتكس بوجود انتفاخ في البطن فنذهب به الى طبيب الباطنة فيقول القلب سليم وانما يوجد تضخم في الكبد وعلينا أن نوقف دواء ضربات القلب لأن من أعراضه الجانبية تضخيم الكبد . فنوقف الدواء ونستمر في علاج تضخم الكبد لأشهر ثم نجد أن القلب زادت نبضاته فنعود لطبيب القلب ويلومنا على عدم الإنتظام في أخذ دواء تنظيم ضربات القلب . وهكذا استمر الوضع لمدة عامين . وقرر أخي عمر أن أذهب مع والدي الى بريطانيا للعلاج على حسابنا .
وتم الترتيب مع أخي العزيز د. عصام فيلالي وكان حينها معيد يدرس الماجستير في بريطانيا وكان صديقا لأخي عمر وبالطبع كان قائدي في جوالة جامعة الملك عبد العزيز لسنوات ,كما كان زميل السكن لعام واحد في سكن باشنفر عام 1397 عندما كان في السنة الأخيرة وكنت في السنة الأولى في الجامعة. وتم ترتيب الفيزا وحجز السفر الى لندن من جده وجاء والدي يرحمه الله مع أخيه عمي أحمد يرحمه الله من المدينة واستقبلناهم أنا وعمر أخي في المطار وكان منظر أبي وهو يجلس على الكرسي المتحرك مؤلما لي فكل صوره التي أحفظها له شامخ القامة عزيز النفس لا يقبل أن يذهب الى الحرم رغم مرضه بإستخدام العكاز وقد كلم الجيران أخي عمر أن يضغط عليه لإستخدام العكاز على الأقل في الذهاب والعودة من الحرم لكنه كان يرحمه الله يرفض أن يراه الناس ضعيفا.
ونظرا لسرعة الترتيبات فقد أحضر والدي معه 40 ألف ريال وكان علي أن أذهب الى أقرب بنك لعمل الشيكات السياحية بالجنيه الإسترليني حتى أدرك الرحلة الى لندن فأخذت كيس النقود وجريت في المطار لأخذ سيارة أخي عمر الكابرس من مواقف المطار وهنا حصل ما لم يكن في الحسبان فبمجرد خروجي من مواقف السيارات اعترضتني سيارة مدنية مثل أفلام هوليود وحشرتني تحت جسر مواقف المطار وخرج منها رجل بلباس مدني وطلب مني ان يرى مافي الكيس . فقلت له من أنت فقال لي من أمن المطار فحمدت الله وتنهدت تنهيدة كبيرة فقد ظننته لصا . فأخبرته أنها 40 ألف ريال وشرحت له أنني ذاهب الى البنك لتحويلها الى شيكات سياحية وأريته التذاكر والجواز فسمح لي أن أذهب فقال لي كنا نراقبك بالكاميرات لما أخذت الكيس من الرجل في الكرسي المتحرك وجريت فشكينا في أمرك فشكرته وأمن المطار على حرصه وهو درس لكل من يسافر أن الجري في المطارات او عمل أي شيء غير مألوف لا بد أن يجعلك محل مسائلة من أمن المطارات.
ذهبت الى السوق الدولي وفيه البنك السعودي البريطاني وأوقفت السيارة وخرجت سريعا الى البنك ومن عجلتي أغلقت باب السيارة وهي تعمل والمكيف شغال ولكني والحمد لله كانت معي التذاكر والجوازات والمال . وفي البنك أصر الموظف على أن اوقع كل شيك أمامه التوقيع الأول ولكن الوقت لم يكن في صالحي فأقسمت له أنني سأوقعها قبل سفري في المطار . وخرجت سريعا أبحث عن أي وسيلة نقل الى المطار فقد بقي أقل من ساعتين على موعد الإقلاع ووصلت وأنا أتصبب عرقا وأخبرت أخي عمر عن مكان السيارة وأنني تركتها تعمل والباب مقفل فما زاد ذلك المربي الفاضل عن قول روح انت وأنا أدبر حالي بس أهتم بالوالد . مع أن بيت أخي عمر كان في شارع الجامعة ويحتاج 45 دقيقة للذهاب الى بيته لإحضار المفتاح الإحتياط ثم مثلها للعودة الى السيارة في السوق الدولي .
وصلنا الى مطار لندن وكان أخي العزيز د عصام شرح لي كيف أحول من الصالة الدولية الى الداخلية ثم اخذ طائرة مانشستر التي كان يدرس فيها وهناك كان في استقبالنا جزاه الله عني وعن والدي خير الجزاء فقد كان كريما كعادته في طبعه وطباعه, فأصر أن ننزل في بيته ولمن يعرف بيوت الإنجليز فهي عادة غرفة معيشة في الأسفل و3 غرف نوم في الأعلى وحمام في الأعلى وأخر في الأسفل فجعل جزاه الله خيرا وجزى الله زوجته الكريمة لمياء فؤاد أبو الخير كل خير غرفة المعيشة لنا مع امكانية استخدام الحمام السفلي جوار المطبخ .
ثم رتب لنا مع معالي د عدنان المزروع وكان حينها طالب زمالة في تخصص التخدير في ليفربول للسفر عنده حيث ارسل لأحد أساتذته في د جمس وكان جراحا للباطنة التقارير التي معنا , وكانت تلك أول مرة أتعرف فيها على د عدنان المزروع وقد أكرمنا هو وزوجته أم سلافة أيما كرم ونزلنا في بيت صديقه د. هاني الشيشتاوي وجعل معنا حجي أمين سائق تكسي بريطاني كان بالإضافة الى عمله مسئولا عن بيت د. أحمد وسليمان باسهل وكانا أساتذة في جامعة الملك عبد العزيز تخرجا من ليفربول .
وكان د عدنان يرتب لنا المواعيد ثم يتفرغ لنا حجي أمين في توصيلنا الى تلك العيادات فقد استمرت رحلتنا العلاجية 37 يوما قضينا منها 25 يوما في الفحوصات الطبية بين مراكز تحليل الدم وغيره ومراكز الأشعة وكان أيامها جهاز الأشعة بالموجات الصوتية ( ألترا ساوند ) جديدا في العالم . وسبب تنقلنا من عيادة لأخرى ومن مركز لأخر لأننا نعالج والدي على حسابنا فأحب د عدنان ود جمس أن ندفع أقل بزيارة هذه العيادات والمراكز لأن المستشفيات الخاصة قيمة العلاج فيها أكبر وأكثر كلفة فجزاهم الله خيرا .
بعد 25 يوما من التحليل والأشعة طلب د جمس من د عدنان أن يشرح لنا ما سيقوم به وهي عملية جراحة استكشاف وهي عبارة عن فتحة في البطن تصل الى 30 سم فقد قال أنه يشك في شيء غير القلب والكبد وانه يرغب في موافقتنا على عملية الإستكشاف فشرح لنا د عدنان جزاه الله خير مفهوم العملية وأضرارها الجانبية القليلة ووافقنا . وحيث أننا على حسابنا طلب د جميس أن يجرى العملية في مستشفى خاص ووافقنا .
عدنا للمنزل وبدأت أحسب كم بقي معنا من مال واقترحت على أبي يرحمه الله أن يكون في المستشفى بدوني لأن تكلفة سرير المرافق ستزيد الفاتورة كثيرا خصوصا أننا سنمكث 5 أيام فبها فبكى أبي يرحمه الله ورفض ان يكون لوحده وصادف أن يكون ذلك وقت مكالمة مع أمي يرحمها الله وأختي الكبرى فائزة وطلب منهم أن يقولوا لي أن أكون معه في المستشفى وأما الفلوس فيمكن أن يتم تدبيرها.
حزنت كثيرا لبكائه فقد كان ذلك اليوم الثالث الذي رأيت فيه دمعات أبي تتساقط من عينيه ,كانت المرة الأولى عند وفاة أمه جدتي خديجة قبرصلي يرحمها الله في 14 رمضان 1385 وكانت الثانية عند وفاة والده جدي حسن أبو الخير يرحمه الله في 15 رمضان أيضا عام 1386 بعد زوجته بعام . وكانت هذه المرة الثالثة فقبلت رأسه وقلت سأكون معك مرافقا و ما زلت ألوم نفسي منذ ذلك اليوم الى اليوم كيف كنت سببا في سقوط دمعات أبي الغالية !!! حتى وان كان السبب الحرص على تخفيف التكاليف المالية عليه.
تمت العملية ولم تستمر سوى 35 دقيقة وأذكر أن حجي أمين جزاه الله خير قال لي اذا بدأت العملية فصلي ركعتين أطلب فيها من الله الشفاء لوالدك وقد كانت من أغلى النصائح التي تلقيتها في حياتي . بعد العملية شرح لي د جمس مع د عدنان أن كل التشخيص القديم من أطباء المدينة كان خاطئا تماما فالقلب سليم مئة بالمئة والكبد سليم مئة بالمئة وأن المشكلة في أن فتحة الإثنى عشر الخارجة من المعدة ضاقت فأصبح الطعام يتجمع في المعدة فيضغط على الحجاب الحاجز والرئة فتتسارع ضربات القلب نتيجة لذلك وأن العلاج الذي وصفه طبيب القلب لتنظيم ضربات القلب مكتوب عليه أن له مضاعفات جانبية تضخم الكبد ولذلك حصل ماحصل في السابق من خلاف بين طبيبي القلب والباطنة كل واحد يصف دواء دون تشخيص دقيق . فقلت له وماذا فعلت فقال فتحت فتحة أخرى من المعدة الى الأمعاء ليسهل خروج الطعام وتنتهي مشكلة تجمع الأكل في المعدة. وقد كان هذا العلاج بفضل الله علاجا لوالدي لم يشكوا من مرض بعده الى أن توفاه الله بعدها بثلاث سنوات.
رحم الله أبي وكم ألوم نفسي أن كنت سببا في سقوط دمعاتك الغالية
ورضي الله عن أخي العزيز د عصام فيلالي وزوجته الكريمة لمياء أبو الخير اللذين استقبلانا في فترة النقاهة أيضا بعد العملية في بيتهما.
ورضى الله عن أخي العزيز معالي د عدنان المزروع وزوجته أم سلافة على كرمهما ومساعدتنا في المستشفى والمراكز الطبية .
وكذلك رضي الله عن حجي أمين الذي زارنا في المدينة وأصر والدي يرحمه الله على اكرامه كما أكرمنا.
وكذلك د. هاني الششتاوي وزوجته د يازي اللذين سكنا في بيتهما ولم نكن نعرفهما بعد وكان في اجازة ثم أراد الله أن يتعاقد معه ومع زوجته مستشفى أحد لسنوات طويلة وأصبح صديق عائلتنا.