ذكريات وليست مذكرات ٣
عندما أوصلت أمي يوم ٣ محرم ١٤٢٥ الساعة السادسة صباحا بسيارتي الى مستشفى الملك فهد وقالت لي اذهب لبرنامجك انا بخير فذهبت وبعد ساعتين أخبرني أخي فريد أنها ماتت
قدمت للأمير مقرن بن عبد العزيز يوم كان أميرا للمدينة مشروع City Terminal وهو صالة المدينة لخدمة الحجاج المسافرين على الطائرات قبل موعد الإقلاع ب ٢٤ ساعة
كنت مشرفا عاما على معهد أبحاث الحج وكان الامير مقرن مولعا وداعما لكل الأفكار الجديدة التي تفضي الى اختصار تعب الحجاج في القدوم والسفر وكان مطار المدينة بعد ان اصبح مطار حج استطاع بتعاون ادارة المطار مع كل الأجهزة المتعلقة بالحجاج من جوازات ووزارة الحج والتفتيش والجمارك والخطوط السعودية وغيرها من خطوط الطيران ومكتب الوكلاء الموحد والمؤسسة الأهلية للأدلاء ان يختصر زمن القدوم للحاج منذ فتح باب الطائرة الى خروجه من صالة المطار الى الباصات الى ٤٥ دقيقة في حين ان معهد أبحاث الحج رصد متوسط نفس الإجراء في صالة الحجاج في مطار جده في ٨ ساعات مع ملاحظة اننا في المدينة تم اختصار خطوة تسجيل جوازات الحجاج لدى الإدلاء بأخذها الى مكتبهم وتسليمها لهم في اليوم التالي وهنا يأتي دور القيادة في لجنة الحج برئاسة سمو الامير في جمع الإدارات الحكومية والأهلية نحو هدف واحد هو راحة الحجاج وأذكر من اهم
من ساهم في إنجاح هذا المشروع مدير المطار عبدالفتاح عطا ومدير فرع وزارة الحج حسن بكري وغيرهم
ولأن صالات الحجاج في مطار المدينة القديم صالات صغيرة وان إجراءات السفر أطول من إجراءات الوصول فقد كان التحدي في اختصار الزمن لسفر ١٥٠ الف حاج في السنة الاولى ثم رفع العدد في كل سنة الى ان يصل الى ٣٠٠ الف بعد عدة سنوات على ان يسافر هؤلاء في اقل من ٣٤ يوما فاقترحت على الامير ان نقوم بنفس تجربة الخطوط البريطانية التي قامت بعمل City Terminal في محطة بادنغتون في وسط لندن تمكن المسافرين من إنهاء إجراءات السفر فيها ثم أخذ القطار الى صالات المغادرة مباشرة
وافق الامير على الفكرة وأعجب بها ولكن قال لي كيف يمكن ان نقنع لجنة الحج المكونة من ٤٠ ادارة حكومية وأهلية بها فقلت تعلمت في دورات القيادة الكشفية ان ورش العمل هي افضل طريقة في عرض المشروعات لإقناع الآخرين وان فكرة دراسة حالة Case study ستحقق الهدف وأعددت مشروع الدراسة بعنوان
Madina City Terminal
وطلبت ان يحضر سموه لبعث الجدية في المشاركين وان أتولى ادارة الورشة تحت إشرافه وان تكون لمدة ٣ ساعات وان تكون في احد الفنادق وان يسمح لكل مدير ادارة ان يحضر معه بعض معاونيه لان الموضوع يحتاج الى إحصاءات وأرقام ومساحات ودليل إجراءات لكل ادارة
تم تحديد الزمان من الثامنة صباحا وفي فندق الميريدان لكني لم أعلم ان ذلك يوم وفاة والدتي وانها ستموت وانا على بعد أمتار منها فهي في مستشفى الملك فهد الملاصق في سوره بفندق الميريديان فقد اتصلت بي وبأخواتي فائزة وحياة واخواني احسان وفريد وحضرنا جميعا بيتها في الإسكان وكانت تشكو يرحمها الله من ضيق في صدرها فحاولنا معها بعد ان خرج الطبيب ان تذهب بناء على نصيحته الى مستشفى المطبقاني فرفضت اشد الرفض وانهم سيجعلونها تنام في المستشفى وهي التي لم تنم في مستشفى في حياتها الخمس والسبعون كما اعلم فوعدها ان نأخذها الى مستشفى الملك فهد في الطواريء ثم نعيدها للمنزل فركبت معي في سيارتي ومعي اختى الكبرى وفي الطريق كانت تدعو لنا جميعا وعند باب المستشفى قالت لي يرحمها الله
شوف الان انا كويسة روح اجتماعك وإخوانك وأخواتك معايا وأصرت علي ان اذهب وكذلك اصر اخواني واخواتي فذهبت وطلبت منهم ان حدث شيء ان يكّلموني على الجوال لأ قطع الورشة واتي اليها
وعند الثامنة اتصلت على اخي فريد فقال لي انها في الدور الثاني في الملاحظة وان استمر في الورشة حيث أخبرته اني سأغلق الجوال
بدأت الورشة بحضور ابن الامير مقرن مندوبا عنه حيث كان في الرياض ولم يستطع الحضور فطلب من ابنه ان يحضر الى المدينة لحضور الورشة والعودة مباشرة الى الرياض بعدها لإعطائه تقريرا عنها له وهذا محاسنه يحفظه الله
بدأت المجموعات الأربعة التى وزعتها عملها وهي
مجموعة وزارة الحج وما يتبعها
مجموعة الجهات الأمنية
مجموعة البلديات والطرق
مجموعة الجهات الخدمية والمساندة
وفي العاشرة كانت المجموعات قد أنهت عملها ولدينا استراحة ١٠ دقائق قامت كل مجموعة بعدها بعرض نتائجها
الا انني خلال الاستراحة فتحت جوالي فوجدت اتصال اخي فريد فاتصلت عليه وكلن يبكي وقال لي امي ماتت قبل ساعة تقريبا وانهم أخذوها الى بيتها لتكفينها بكيت كثيرا حتى جاء من ينبهني ان الجميع ينتظرونني لعرض نتائجهم فعدت الى مقعدي وكان وكيل الإمارة يدير الجلسة ويعطي كل مجموعة وقتها حتى لاحظ اخي الحبيب بهجت جنيد مدير التعليم تجهم وجهي وبدات تصله رسائل الجوال من الاستاذ عبد الوهاب زمان زوج اختي يرحمه الله فطلب من وكيل الامار الاستعجال في عرض النتائج ثم قام الجميع لعزائي ودموعي على خدي فقد انهرت وانا اتذكر اني اوصلت امي بسيارتي الى مكان موتها وعندما ماتت لم اكن بجوارها ساعة موتها بكيت اكثر حين رأيتها مسجاة بالكفن لزمتها حتى جاء وقت حملها الى الحرم ثم الى البقيع حيث دفن فيه عشرة الاف صحابي وصحابية
نجحت فكرة المشروع وطبق بعدها بسنتين وتم تطويره وهو يعمل به الى اليوم
اما الامير مقرن فعندما علم بما حدث لي اتصل معزيا وأمر ابنه بالبقاء الى وقت العزاء بعد صلاة المغرب عجبت لك يا أمي عند باب المستشفى قلت لي
شوف الان انا كويسة روح اجتماعك وإخوانك وأخواتك معايا وأصررت علي ان اذهب
وفي عزائك جائك جميع مدراء فروع الوزارت في المدينة وابن اميرها
رسالة لكل من يزايد على وطنية انسان هل عشت مثل تجربتي وانت تخدم وطنك وتفقد في نفس الوقت أمك