Madina Documentary Films

المخيم الكشفي الصيفي لجوالة جامعات المملكة في غابة رغدان بالباحة عام 1402 الموافق 1982

ذكريات وليست مذكرات

المخيم الكشفي الصيفي لجوالة جامعات المملكة في غابة رغدان بالباحة عام ١٤٠٢

تذكرت وانا اقلب القنوات الفضائية حول إعصار هارفي وارما ماحدث لي عندما كنت قائدا لهذا المخيم الذي ضم ٢٥٠ جوالا من جوالة جامعات المملكة فقد نسقنا مع إمارة الباحة في اقامة المخيم في غابة رغدان واكرمونا بإعطائنا مدرجات أمير الباحة وما تحتها من مدرجات حيث الغابة تنتشر على سفوح تلال تم تحويل عدد منها الى مدرجات مسطحة يمكن إقامة مخيمات عليها

ولأن المخيم في الصيف ومنطقة الباحة كما هي باقي مناطق عسير أمطارها صيفية ولكن لم يكن في حساباتنا او حسابات أهل الارض من غامد وزهران ان تكون الأمطار بهذه الشدة

ففي أول ايام المخيم يوم الثلاثاء كانت الأمطار تبدأ من الثانية ظهرا وحتى الرابعة او الخامسة عصرا وكنا فرحين بها اذا جئنا من مناطق صحراوية وفي فصل حار

لكن الوضع تبدل يوم الأربعاء فمنذ الصباح بدأت زخات المطر تزيد في حجمها وفي تتابع سقوطها وفي كم الرياح التي تدفعها

ولكننا كشافة وهذه غابة وكان الحماس بين فرق الجامعات على أشده فمن رحلات خلوية الى برامج رياضية كشد الحبل وغيرها من العاب كشفية ومع ازدياد المطر في الظهر اضطررنا الى عمل البرامج في السرادق الكبير وهو المصلى في نفس الوقت وفي العصر هدأ المطر قليلا وعدنا الى أنشطتنا

لكن بحلول الظلام زاد المطر بشكل أكبر فأبلغت قادة الفرق ان يحثوا روادالرهوط على الحراسة من خيامهم ولبست كيس الزبالة الأسود بعد قطع طرفيه كقميص يحمي من المطر وطلبت من قادة الفرق توزيع ادوارهم وتقسيم الليل بيننا لنتأكد من نباهة الحراس حيث نحن في غابة ولا نريد ان نفاجأ بحيوانات مفترسة ولا نريد ان نفاجأ بالمطر والسيل يغمرنا ونحن نائمين

لا اذكر كم نمت تلك الليلة فقد زاد المطر وأمرت قادة الفرق بالنداء على رهوطهم لعمل مجرى وساتر ترابي حول كل خيمة

وفي الصباح صلينا الفجر وبدأنا نعالج ما افسده المطر ولم يكن كثيرا حيث فضل الله كبير ووجود المدرجات في الغابة ساهم بشكل كبير في انزلاق الماء الى اسفل الغابة في الاوديه

لكن المطر خلال الظهر ازداد شراسة وكانت موجات المطر متتالية لا يفصل بينها اكثر من خمس دقائق ولم ارى مثلها في حياتي الا عندما سافرت للدراسة في بريطانياوامريكا فاجتمعت بقادة الفرق قبل المغرب وأخبرتهم بعد ان تدارسنا خطورة الوضع بأن المخيم لن يستمر حتى مساء الجمعة بل سينتهي في الفجر وان المطلوب من الجميع التأكد من تدعيم الخيام والحراسة تحسبا لتمزق بعض الخيام بسبب كم المطر المتساقط او انكسار أعمدتها

اذكر تماماً انني لم أنم تلك فأنا قائد المخيم وفي رقبتي أمانة ٢٥٠ جوالا بالاضافة الى ١٠ سائقين ( لباصات الكوستر تويوتا ) وسائقين للشاحنتين والغابة في ذلك التاريخ ليس لها الا مدخل واحد عبارة عن جسر على وادي يصل الى الطريق العام وأخبرني السائقين ان السيل يسير من تحت الوادي ويرتفع منسوبه

أيقنت في منتصف الليل اننا في خطر حقيقي فالمدرجات التي عليها خيامنا من كثرة المطر تحولت الى مستنقعات طينية وشدة الرياح مع وزن الماء الذي تحمله أصبحت مصدر خطر على أعمدة الخيام ولم يكن يمنعني من الامر باخلاء المخيم الا شدة الظلام الدامس وضيق ووعورة الطريق الترابي المؤدي للمدرجات من الجسر الذي في بداية الغابة

بحثت عن اثنين من ابناء المنطقة هما الجوال ابراهيم الغامدي ( اصبح لاحقا مدير تعليم البنات في الباحة ) والجوال أحمد البيشي واخبرتهما بقرارتي وهي

ان جميع المخيم سيغادر بعد صلاة الفجر ويأخذ كل جوال ما يستطيع ان يحمله في الباص

ان عليهما البقاء في الباحة مع سائقي الشاحنتين لجمع الخيام وما بقي من أغراض المخيم واعطيتهما مبلغا من المال لاستئجار عمال بعد انقضاء المطر ووافقا مشكورين

تواصلت مع رواد الفرق كل في فرقته وأخبرتهم بقرارتي

كان المشهد مخيفا فالرياح وكمية المطر الكبيرة جعلت كل رهط يجمع اغراضه في منتصف الخيمة وتفرغ اثنان من كل رهط للإمساك بعمود الخيمة حتى لا تكسره الريح والمطر اما المدرجات فتحولت الى مستنقعات طينية نمشي فيها في الوحل

لم تكن ليلة في حياتي تمنيت فيها بزوغ الفجر قبل وقته مثل تلك الليلة

اخبرنا جميع المشاركين اننا سنتحرك بعد صلاة الفجر مباشرة وان الدعاء لله عز وجل في مثل هذه الظروف يحمينا وينزل علينا السكينة

وشعرت بالراحة عندما إذن الفجر وجاء المصور التلفزيوني لمعهد أبحاث الحج البريطاني مقصود منان ( لاحقا عمل في MBCمكتب لندن ) والذي أحضرته لعمل اول فلم وثائقي عن المخيمات الكشفية في السعودية وكان قد صور كل الأنشطة الا الاذان والصلاة فقال لي Where is Azan فقلت له ووجهي يملؤه الغضب there is no Azan do understand

وكنت حينها انا ومعي عدد من الجوالة نحمي المصلين في السرادق حيث كنا نمسك بالأعمدة التي كنا نسمع أصوات تكسر بعضها حيث سامح الله الامام الاستاذ شفيق يرحمه الله بدلا من الاختصار اطال في الصلاة حتى تمنيت لو قطعت له صلاته

بعد الصلاة كنت احمل مكبر الصوت وأدعو الجميع الى ركوب اقرب باص وأخذ متعلقاتهم الشخصية فقط كانت الكشافات التي نحملها هي مصدر الضوء الوحيد

كان قادة الفرق ورواد الرهوط من اعظم القادة فقد طلبت منهم ان يركب الجميع بصرف النظر عن الباص وعليهم ان يتأكدوا ان لا احد بقي في المخيم واننا لن نتحرك حتى نتأكد من اكتمال العدد كان رواد الرهوط كالنحل ينتقلون من باص الى اخر لعد أفرادهم ثم يبلغون قادة فرقهم ليخبرونا عن الفرق المكتملة وبعدها تحركنا بفضل الله ورحمته نحو الجسر الذي على مدخل الغابة وكانت المياه تصل الى بداية وأخبرني الاخ ابراهيم الغامدي ان الجسر انكسر او تعطل بعد مرورنا بفترة قليلة

لم ينتهي مشوارنا المرعب فالطريق الى الطائف يمر بوادي تربه والمطر والصخور المتساقطة من الجبال مع السيول الصغيرة جعلت الطريق تتلف جوانبه وينقطع الأسفلت حتى بقي منتصف الطريق في حالة يرثى لها وقد كان السائقين املنا بعد الله في العبور حتى اذا وصلنا وادي تربة ظهرت مشكلة جديدة هي منع المرور العبور من فوقه الا لسيارة واحدة حتى تصل الى الضفة الاخرى من الوادي ثم يسمح لسيارة ثانية لأن السيل ملء الوادي الذي يبلغ ارتفاعه عن الارض اكثر من سته أمتار وطوله يصل الى اقل قليلا من كيلومتر

كان المنظر رهيبا الجمال تقاذفها السيل وكأنها العاب وبعد مرورنا جميعا تحركنا الى الطائف ووصلنا بعد الظهر وأخذ منا الطريق ٨ ساعات في حين في العادة ساعتين فقط

وصلنا جدة بعد المغرب بحمد الله ونعمته وفضله وبعد ايام جاء ابراهيم الغامدي واحمد البيشي بالخيام وباقي الأغراض

ارجو ممن شاركنا ذلك المخيم قبل ٣٦ عاما ان يكتبوا ذكرياتهم

اكثر ما المني انني بحث مرات عديدة عن الفلم الوثائقي في معهد أبحاث الحج ولم اجده فمن كان لديه صور ارجو ان ينزلها في هذه الصفحة

Related Articles

Back to top button