ذكريات وليست مذكرات
الصورتين في افتتاح المخيم مع مدير تعليم الباحة عندما زارنا في غابة رغدان عام ١٤٠٢ الموافق ١٩٨٢ قبل ٤٣ عاما
ذكريات وليست مذكرات
المخيم الكشفي الصيفي لجوالة جامعات المملكة في غابة رغدان بالباحة عام ١٤٠٢
تذكرت وانا اقلب القنوات الفضائية حول إعصار هارفي وارما ماحدث لي عندما كنت قائدا لهذا المخيم الذي ضم ٢٥٠ جوالا من جوالة جامعات المملكة فقد نسقنا مع إمارة الباحة في اقامة المخيم في غابة رغدان واكرمونا بإعطائنا مدرجات أمير الباحة وما تحتها من مدرجات حيث الغابة تنتشر على سفوح تلال تم تحويل عدد منها الى مدرجات مسطحة يمكن إقامة مخيمات عليها
ولأن المخيم في الصيف ومنطقة الباحة كما هي باقي مناطق عسير أمطارها صيفية ولكن لم يكن في حساباتنا او حسابات أهل الارض من غامد وزهران ان تكون الأمطار بهذه الشدة
ففي أول ايام المخيم يوم الثلاثاء كانت الأمطار تبدأ من الثانية ظهرا وحتى الرابعة او الخامسة عصرا وكنا فرحين بها اذا جئنا من مناطق صحراوية وفي فصل حار
لكن الوضع تبدل يوم الأربعاء فمنذ الصباح بدأت زخات المطر تزيد في حجمها وفي تتابع سقوطها وفي كم الرياح التي تدفعها
ولكننا كشافة وهذه غابة وكان الحماس بين فرق الجامعات على أشده فمن رحلات خلوية الى برامج رياضية كشد الحبل وغيرها من العاب كشفية ومع ازدياد المطر في الظهر اضطررنا الى عمل البرامج في السرادق الكبير وهو المصلى في نفس الوقت وفي العصر هدأ المطر قليلا وعدنا الى أنشطتنا
لكن بحلول الظلام زاد المطر بشكل أكبر فأبلغت قادة الفرق ان يحثوا روادالرهوط على الحراسة من خيامهم ولبست كيس الزبالة الأسود بعد قطع طرفيه كقميص يحمي من المطر وطلبت من قادة الفرق توزيع ادوارهم وتقسيم الليل بيننا لنتأكد من نباهة الحراس حيث نحن في غابة ولا نريد ان نفاجأ بحيوانات مفترسة ولا نريد ان نفاجأ بالمطر والسيل يغمرنا ونحن نائمين
لا اذكر كم نمت تلك الليلة فقد زاد المطر وأمرت قادة الفرق بالنداء على رهوطهم لعمل مجرى وساتر ترابي حول كل خيمة
وفي الصباح صلينا الفجر وبدأنا نعالج ما افسده المطر ولم يكن كثيرا حيث فضل الله كبير ووجود المدرجات في الغابة ساهم بشكل كبير في انزلاق الماء الى اسفل الغابة في الاوديه
لكن المطر خلال الظهر ازداد شراسة وكانت موجات المطر متتالية لا يفصل بينها اكثر من خمس دقائق ولم ارى مثلها في حياتي الا عندما سافرت للدراسة في بريطانياوامريكا فاجتمعت بقادة الفرق قبل المغرب وأخبرتهم بعد ان تدارسنا خطورة الوضع بأن المخيم لن يستمر حتى مساء الجمعة بل سينتهي في الفجر وان المطلوب من الجميع التأكد من تدعيم الخيام والحراسة تحسبا لتمزق بعض الخيام بسبب كم المطر المتساقط او انكسار أعمدتها
اذكر تماماً انني لم أنم تلك الليلة فأنا قائد المخيم وفي رقبتي أمانة ٢٥٠ جوالا بالاضافة الى ١٠ سائقين ( لباصات الكوستر تويوتا ) وسائقين للشاحنتين والغابة في ذلك التاريخ ليس لها الا مدخل واحد عبارة عن جسر على وادي يصل الى الطريق العام وأخبرني السائقين ان السيل يسير من تحت الوادي ويرتفع منسوبه
أيقنت في منتصف الليل اننا في خطر حقيقي فالمدرجات التي عليها خيامنا من كثرة المطر تحولت الى مستنقعات طينية وشدة الرياح مع وزن الماء الذي تحمله أصبحت مصدر خطر على أعمدة الخيام ولم يكن يمنعني من الامر باخلاء المخيم الا شدة الظلام الدامس وضيق ووعورة الطريق الترابي المؤدي للمدرجات من الجسر الذي في بداية الغابة
بحثت عن اثنين من ابناء المنطقة هما الجوال ابراهيم الغامدي ( اصبح لاحقا مدير تعليم البنات في الباحة ) والجوال أحمد البيشي واخبرتهما بقرارتي وهي
ان جميع المخيم سيغادر بعد صلاة الفجر ويأخذ كل جوال ما يستطيع ان يحمله في الباص
ان عليهما البقاء في الباحة مع سائقي الشاحنتين لجمع الخيام وما بقي من أغراض المخيم واعطيتهما مبلغا من المال لاستئجار عمال بعد انقضاء المطر ووافقا مشكورين
تواصلت مع رواد الفرق كل في فرقته وأخبرتهم بقرارتي
كان المشهد مخيفا فالرياح وكمية المطر الكبيرة جعلت كل رهط يجمع اغراضه في منتصف الخيمة وتفرغ اثنان من كل رهط للإمساك بعمود الخيمة حتى لا تكسره الريح والمطر اما المدرجات فتحولت الى مستنقعات طينية نمشي فيها في الوحل
لم تكن ليلة في حياتي تمنيت فيها بزوغ الفجر قبل وقته مثل تلك الليلة
اخبرنا جميع المشاركين اننا سنتحرك بعد صلاة الفجر مباشرة وان الدعاء لله عز وجل في مثل هذه الظروف يحمينا وينزل علينا السكينة
وشعرت بالراحة عندما إذن الفجر وجاء المصور التلفزيوني لمعهد أبحاث الحج البريطاني مقصود منان ( لاحقا عمل في MBCمكتب لندن ) والذي أحضرته لعمل اول فلم وثائقي عن المخيمات الكشفية في السعودية وكان قد صور كل الأنشطة الا الاذان والصلاة فقال لي Where is Azan فقلت له ووجهي يملؤه الغضب there is no Azan do understand
وكنت حينها انا ومعي عدد من الجوالة نحمي المصلين في السرادق حيث كنا نمسك بالأعمدة التي كنا نسمع أصوات تكسر بعضها حيث سامح الله الامام الاستاذ شفيق يرحمه الله بدلا من الاختصار اطال في الصلاة حتى تمنيت لو قطعت له صلاته
بعد الصلاة كنت احمل مكبر الصوت وأدعو الجميع الى ركوب اقرب باص وأخذ متعلقاتهم الشخصية فقط كانت الكشافات التي نحملها هي مصدر الضوء الوحيد
كان قادة الفرق ورواد الرهوط من اعظم القادة فقد طلبت منهم ان يركب الجميع بصرف النظر عن الباص وعليهم ان يتأكدوا ان لا احد بقي في المخيم واننا لن نتحرك حتى نتأكد من اكتمال العدد كان رواد الرهوط كالنحل ينتقلون من باص الى اخر لعد أفرادهم ثم يبلغون قادة فرقهم ليخبرونا عن الفرق المكتملة وبعدها تحركنا بفضل الله ورحمته نحو الجسر الذي على مدخل الغابة وكانت المياه تصل الى بداية وأخبرني الاخ ابراهيم الغامدي ان الجسر انكسر او تعطل بعد مرورنا بفترة قليلة
لم ينتهي مشوارنا المرعب فالطريق الى الطائف يمر بوادي تربه والمطر والصخور المتساقطة من الجبال مع السيول الصغيرة جعلت الطريق تتلف جوانبه وينقطع الأسفلت حتى بقي منتصف الطريق في حالة يرثى لها وقد كان السائقين املنا بعد الله في العبور حتى اذا وصلنا وادي تربة ظهرت مشكلة جديدة هي منع المرور العبور من فوقه الا لسيارة واحدة حتى تصل الى الضفة الاخرى من الوادي ثم يسمح لسيارة ثانية لأن السيل ملء الوادي الذي يبلغ ارتفاعه عن الارض اكثر من سته أمتار وطوله يصل الى اقل قليلا من كيلومتر
كان المنظر رهيبا الجمال تقاذفها السيل وكأنها العاب وبعد مرورنا جميعا تحركنا الى الطائف ووصلنا بعد الظهر وأخذ منا الطريق ٨ ساعات في حين في العادة ساعتين فقط
وصلنا جدة بعد المغرب بحمد الله ونعمته وفضله وبعد ايام جاء ابراهيم الغامدي واحمد البيشي بالخيام وباقي الأغراض
ارجو ممن شاركنا ذلك المخيم قبل ٤٣ عاما ان يكتبوا ذكرياتهم
اكثر ما المني انني بحث مرات عديدة عن الفلم الوثائقي في معهد أبحاث الحج ولم اجده فمن كان لديه صور ارجو ان ينزلها في هذه الصفحة
241