بحث نشر في المؤتمر العالمي الثامن للندوة العالمية للشباب الإسلامي ( الشباب المسلم والتحديات المعاصرة ) الحماية الذاتية لمجتمعاتنا المسلمة من البث التلفازي الغربي المباشر باللغات المحلية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحماية الذاتية لمجتمعاتنا المسلمة من البث التلفازي الغربي المباشر باللغات المحلية .
د. خالد علي أبو الخير
قسم الإعلام – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
1995
مقدمة:
لا يشك إنسان في أن تلاقح الأفكار والآراء ميزة ، أرادها البشر محوراً لنقل الثقافات والاتجاهات والأفكار ، وعلى مدى التاريخ البشري ظل الإنسان يحاور أخاه الإنسان بلغات مختلفة ؛ كالتجارة ، والمناظرة ، والحوار ، في حالات السلم ، وظل يحاوره أيضاً بالقتال والحملات المضادة في حالات الحرب ، ولم ينقطع الحوار أبداً على مدى التاريخ .
وقد ساد أهل المنطق تارة على الجهال بعلمهم فأقنعوهم بثقافتهم وأصبحوا قبلة للعمل والمعرفة ، وسادوا على الدنيا بذلك ، كما ساد أهل السلاح والعتاد في فترات كثيرة من التاريخ وجعلوا من جهلهم قاعدة لتجهيل الشعوب التي اكتسبوها . وفي التاريخ ذكر للرومان واليونان وفلاسفتهم كما فيه ذكر للتتار والصليبيين ودمارهم .
كما أورد التاريخ لنا نموذجاً متميزاً جمع بين الطريقتين في عرض فكريته ؛ فلقد عرض الإسلام فكرته بالعقل والمنطق على غير معتنقيها ، كما استخدم الجهاد وسيلة عسكرية تدمر عوائق وصول فكرته ، ثم نشرها فكرياً ومنطقياً ، وهو بذلك غلب جانب العقل والمنطق في التلاقح الفكري على الجانب العسكري .
والبث التلفازي المباشر – سواء أكان من الغرب أم من الشرق – قائم على نفس المبدأ ، ومنطلق من نفس الفكرة ، فهو تلاقح فكري بين ثقافات متعددة تعرض كل واحدة منها بضاعتها لمن يريدها ، وهذه البضاعة موجهة بطبيعتها وليست عفوية ، لكني لا أحب أن أعطيها نظرة الغزو الثقافي التي ربط بينها وبين مفهوم البث المباشر . فالتلفازات الغربية عندما تعد قناة إعلامية عن بلادها تهدف إلى توجيه رسالة مفادها أننا نملك كذا من المنتزهات وكذا من المصانع وكذا من الفن وكذا من الخدمات . وهي بذلك تسوق لتجارتها ولمصانعها ولفنها ولثقافتها[1] . ولا يعني ذلك أنها تنتقض الآخرين من زميلاتها في الغرب أو جمهورها في الشرق . فالفرق في مفهومي بين القناة الموجهة وقناة الغزو الثقافي أن الثانية[2] تحمل أهدافاً محددة تبدأ من دراسة ثقافة الخصم دراسة متأنية للبحث عن عوراته وثغراته ثم إعداد المواد المراد تقديمها لتدور في هذا الفلك . ثم يتلوا ذلك أهداف أساسية وهي إحلال ثقافة وفكر المهاجم محل عورات وثغرات الخصم .
وبذلك نكون قد فرقنا بين القناة التلفازية الغربية الموجهة بهدف التأثير الثقافي والديني على الخصم وبين القناة الإعلامية الموجهة التي تعرف بمرسلها وما لديه من ثقافة وحضارة . فالقنوات المسيحية التبشيرية الموجهة إلى مجتمع محدد لا يشك إنسان في أنها غزو ثقافي ؛ فالمواد المبثوثة منها محددة الأهداف محددة الوسائل ، وقبل ذلك محددة الجمهور . ولا يمكن أن نحكم على هذه القناة التلفازية الغربية بأنها غزو ثقافي أو قناة إعلامية إلا بعد دراسة متأنية لأهدافها ووسائلها وبرامجها . فمن المعلوم أن الهدف التلفازي لبعض القنوات العربية التي يملكها مسلمون أباً عن جد قد يدفعهم إلى الانحراف بموادهم المقدمة في محطاتهم لتفاجأ بأنها لولا أسماء مالكيها لظننت أنها غزو ثقافي منظم لتدمير الأخلاق والقيم في نفوس الناس .
وعلى كل حال . فكلا القناتين الموجهة والغازية تقوم على هدف التأثير على الآخر (المتلقي) [3]. كما أن كلتيهما يهدف إلى تقديم وإحلال ثقافات غربية محل ثقافات المتلقي في دول الشرق أو العالم الثالث . وحجم الخطر سيكون واضحاً عندما يبدأ البث التلفازي الغربي المباشر باللغات المحلية في دولنا ؛ حيث جربت مجتمعاتنا تجربة الإذاعات الغربية الموجهة وتأثيرها الواضح في مستمعينا ؛ كإذاعة صوت أمريكا (VOA) وهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) ومونت كارلو (RMC) . فقد حرصت هذه الإذاعات على المثقفين والشباب ، وقدمت نماذج برامجية راقية الإعداد ومقدمة بأسلوب متمكن ، ووضعت خلالها أرائها تجاه القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، كما قدمت معها أدباء بلادهم ومفكريهم وفنانيهم .
لهذا السبب اختار الباحث موضوع بحثه الحماية الذاتية لمجتمعاتنا المسلمة من البث التلفازي الغربي المباشر باللغات المحلية والمتوقع حدوثه في السنوات القليلة المقبلة . حيث ستبث قنوات فضائية غربية باللغات المحلية بالإضافة إلى البث الحالي باللغة الإنجليزية والفرنسية . فإذا استطاعت الإذاعات الغربية الموجهة أن تكون مرجعية ثقافية لمثقفينا وشعوبنا فكيف الحال بوسيلة التلفاز التي ستأتينا من باريس ولندن وأمريكا بصوت وصورة عربية الشكل غربية المعاني والثقافات .
كيف سيكون مصير ثقافاتنا وفننا وأدبنا وشعرنا مقابل الثقافة والفن والأدب والشعر القادم ؟
إن تقوية جبهتنا الداخلية أساس ( في ظن الباحث ) لحماية مجتمعاتنا من هذا الفكر الوافد وذلك عن طريق التفعيل الإعلامي المدروس للكتاب والأدباء والمفكرين وقادة الرأي على المستويات الوطنية والمحلية بالتأكيد على السياسات الإعلامية للدول الإسلامية والمساهمة الفعالة في برامج التلفزيونات المحلية وشرح الأخطار المتوقعة للمجتمع . ويدرس الباحث تفعيل الأسرة ومجتمع الأصدقاء العائلي ومجتمع الحارة أو الحي في حماية أفراد المجتمع سلوكياً واجتماعياً وثقافياً وفكرياً من هذا الخطر التوقع . وقد تم تقسيم البحث الى ثلاث محاور رئيسية هي :
المحور الأول: التفعيل الإعلامي في مواجهة البث التلفازي الغربي المباشر .
المحور الثاني : خطوط دفاعنا المتينة .
المحور الثالث : مجتمع الحارة أو الحي .
المحور الأول: التفعيل الإعلامي في مواجهة البث التلفازي الغربي المباشر :
إن قاعدة ” لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار مضاد له في الاتجاه ” يمكن تطبيقها في كثير من مجالات الحياة ، لكن ما الفائدة من تطبيق هذه القاعدة في مواجهة البث التلفازي الغربي المباشر ” ؟
هل سنوجه لهم قنوات فضائية مضادة ؟ أو سنوجه صواريخ تدمر أقمارهم الصناعية ؟! والسؤال الأكثر إلحاحاً .. كيف سنحمي قواعدنا الاجتماعية من هذا البث المباشر الذي يتجاوز مقص الرقيب ومفتش الجمارك ومراقب المطبوعات ؟
إننا مقبلون على عالم بلا حدود في الدين والفكر والثقافة واللغة والفن والرياضة ، ولن نستطيع التحكم فيما يعرض[4] بعد أن فقدنا القدرة قبل ثلاثة أرباع القرن فيما يسمع ، وها نحن الآن نواجه تكسر حدود ما يقرأ من خلال شبكة ( الإنترنت ) . لكن العمل الحقيقي الذي يمكن أن نعمله – في ظني – أن نكون فاعلين في مجال الإعلام بدلاً من الاستسلام كمنفعلين . ولذلك أرى أن التفعيل الإعلامي من خلال التأكيد على السياسات الإعلامية في دول العالم الإسلامي سيساهم في زيادة الوعي لدى حكومات هذه الدول بالخطر المحدق بقيمنا وتراثنا ، وكذلك الخروج من منعطف النقد الذي حصرنا أنفسنا فيه إلى المساهمة الإعلامية في برامج التلفزيون المحلية والفضائية ، واستخدام التفعيل الاجتماعي في توجيه العامة من خلال وجوه الناس والأدباء والمفكرين .
أولا:التفعيل الإعلامي من خلال التأكيد على السياسات الإعلامية في دول العالم الإسلامي:
السياسة الإعلامية في أي دولة عبارة عن المحددات الفكرية والعقدية للدولة والتي تلتزم وتلزم بها جميع العاملين في مجال الإعلام على أراضيها سواء منهم الإعلاميون العاملون في القطاعات التي تمثلها الدولة أو العاملون في القطاع التجاري . والسياسات الإعلامية برغم الاختلاف العقدي لتوجيهات الدول من إسلامية وعلمانية وشيوعية واشتراكية إلا أنها تشترك جميعاً في الحفاظ على الهوية الوطنية ووحدة الأرض وحماية التراث . وفي مؤتمر جاكرتا ( المؤتمر العالمي الأول للإعلام الإسلامي ) عام 1400هـ اتفق الحاضرون – وهم (450) شخصية إعلامية إسلامية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي – على أربع مواد تؤلف في مجموعها سياسة إعلامية واضحة تجاه وسائل الإعلام عموماً ، وهذه المواد ركزت على الالتزام بقيم الإسلام ومبادئه الأخلاقية وتقديم الحقيقة خالصة في حدود الآداب الإسلامية وتحديد حقوق وواجبات رجل الإعلام . كما اتفق المؤتمرون على جمع كلمة المسلمين ووحدتهم ومجاهدة الاستعمار والإلحاد في شتى صوره ومواجهة التيارات المعادية للإسلام ، وكذلك التدقيق فيما يذاع وينشر ويعرض حماية الأمة للخطر . والامتناع عن إذاعة ونشر كل ما يمس الآداب العامة ويرغب في الانحلال الخلقي والجريمة والعنف والانتحار . وعدم نشر الإعلان التجاري الذي يتعارض مع الأخلاق العامة والقيم الإسلامية . وفي المادة الرابعة طلب المؤتمرون من الإعلاميين أن ينشروا الدعوة الإسلامية وأن يهتموا بتراث الأمة وموروثاتها والمطالبة بإحلال الشريعة محل القوانين الوضعية .
كذلك الحال بالنسبة لميثاق الشرف الإعلامي العربي الذي وافق عليه وزراء الإعلام في الدول العربية في مؤتمرهم عام 1978م ، ويتكون الميثاق من الفصل الأول من المبادئ العامة والذي يدعو إلى حق التعبير والإطلاع لرجل الإعلام كما يدعو إلى قيام الإعلام على المثل العليا وتعميق التفاهم داخل المجتمع العربي . كذلك دعي الميثاق في الفصل الثاني إلى تحمل وسائل الإعلام مسئولية تقديم الحقيقة الهادفة إلى خدمة قضايا الإنسان العربي وتعريفه بوطنه وإمكاناته . وأن تحث وسائل الإعلام على التضامن العربي واحترام استقلال الدول ومكافحة جميع أنواع وأشكال الاستعمار ومساندة الشعوب النامية وخدمة قضاياها في المنتديات الدولية . وفي الفصل الثالث ركز الميثاق على واجبات الحكومات بضمان حرية الإعلام وتبادل الصحف بين الدول العربية .
وهذا المثال يؤكد على تحويل الإعلام إلى مدافع عن الهوية ، وقائم على المثل العليا ومناضل ضد كل استعمار وتفتيت في الصف العربي . إن تأكيدنا على مضمون هذه السياسات من خلال الكتاب في الصحف والأدباء في المؤلفات يؤكد للعامة والمسئولين أهمية الحفاظ على الهوية . والتأكيد يمكن أن يبرز من خلال الدراسات المفسرة لهذه المواد والمقارنة بين ما تثبته القنوات الفضائية الغربية من مخالفات في القيم والأخلاق والسياسات ذات المكيالين والمخالفات الاجتماعية والإنسانية وبين السياسات الإعلامية في المواثيق الإسلامية ( جاكرتا ) والعربية ( ميثاق الشرف الإعلامي العربي ) .
ونموذج ثالث يمكن استخدامه في التفعيل الإعلامي من خلال التأكيد على السياسات الإعلامية وهو المبادئ الخمسة التي اتفقت عليها إدارات التلفزيون في دول المجلس التعاون الخليجي .
وتتركز المبادئ الخمسة على مبادئ في التخطيط البرامجي تطالب فيها تلفزيونات الخليج بتقديم خدمة متوازية تجمع بين الترفيه والإعلام والتثقيف منطلقة من خطط التنمية المقرة في دول المجلس . كما أن من أهم الأهداف الحفاظ على الملامح الثقافية المحلية وتنقيتها . وفي المبدأ الثاني ركز الاتفاق على أخلاقيات البرامج من خلال الحفاظ على القيم الروحية والاجتماعية وأنماط السلوك النابعة من العقيدة الإسلامية ، والحفاظ على الوحدة الوطنية واستخدام اللغة العربية والحفاظ عليها . كما روعي في المبدأ الثالث عند اختيار المواد الأجنبية ألا تكون متضمنة لما يسيء إلى القيم الإسلامية والاجتماعية . وأن لا تقدم نماذج فنية تعتمد على الإباحية أو العنف أو المخدرات مما يدفع الشباب والأطفال إلى تقليدها .
وفي مجال الأخبار راعى المبدأ الرابع توفير القدر المناسب من الأخبار والمعلومات حتى لا يلجأ المشاهد إلى القنوات الأخرى لمتابعة الأخبار . منا روعي في مبدأ الإعلانات أن تخضع لرقابة الفنية والموضوعية وأن يمنع نشر الإعلانات عن التدخين وكل ضار .
وهذا النموذج منطلق من السياسات الإعلامية لدول مجلس التعاون والخليجي وهي مبادئ يمكن بالتركيز عليها حماية مجتمعاتنا من خطر البث التلفازي الغربي المباشر . وهذه المبادئ خاصة بمجموعة من الدول كما كان الميثاق العربي خاص بمجموعة أكبر من الدول وكذلك الحال بميثاق جاكرتا للإعلام الإسلامي . وهناك سياسة إعلامية خاصة بكل دولة مثل السياسة الإعلامية للملكة العربية السعودية وغيرها ، وهذه السياسات قائمة على الحفاظ على هوية الأمة وعقيدة مواطنيها وحماية التراث والموروثات الفكرية والاجتماعية والأخلاقية[5] . كما حددت هذه السياسة الإعلامية وغيرها دور الإعلام في مكافحة التيارات الفكرية المعادية لقيم وتراث الأمة ، وحددت دور الدول في المساعدة مع الجهات الإعلامية التجارية في تقديم خدمات أكثر جاذبية وأقرب إلى روح الأمة ولغتها وتراثها .
إن من الخطأ عدم دراسة السياسات الإعلامية والمواثيق الدولية الإسلامية والعربية والخليجية لمن يتصدى لتوضيح البث التلفازي الغربي المباشر . فهذه السياسات والمواثيق يمكن استخدامها في توضيح موقف الدولة المسلمة من مسألة الحفاظ على الهوية الإسلامية ومسألة المحافظة على الأخلاق والقيم ، وأيضاً مكافحة التيارات الغير إسلامية التي يمكن أن تبث من خلال هذه القنوات الغربية . ويمكن من خلال استخدام مواد هذه السياسات الإيضاح للمسئولين في وزارات الإعلام وللممثلين لهذه التلفازات الغربية في بلاد المسلمين حجم الخطر عندما يبدأ البث التلفازي الفضائي الغربي المباشر باللغات المحلية . كما يمكن من خلال هذه السياسات تنبيه مجتمعاتنا إلى حرص دولنا على المحافظة على الهوية الثقافية والفكرية لمجتمعاتنا .
النقد البناء بدلاً من الانفعالات العاطفية :
عندما وصل المذياع خاف بعض الناس منه وادعوا أن فيه ( جنا ) ثم جاء التلفاز وأتت بعده القنوات الفضائية ، فماذا سيقولون ؟ يؤلمني كما يولم كل باحث ما نشاهده من انفعالات عاطفية تجاه كل وسيلة حديثة من وسائل الإعلام . فالتلفاز عندما وصل رفضه (وما زال يرفضه) بعض العلماء وبذلك خسروه وسيلة وخسرهم كمعدين وموجهين . وكذلك الحال عندما جاءت الأطباق الفضائية تسارع المربون والخطباء وبعض الكتاب إلى مهاجمته والنيل منه وكأنهم بذلك أدوا دورهم الأخلاقي والتربوي ثم ماذا ؟
ثم لم يعد يذكره أحد الآن في خطبه أو مقالاته لأنه أصبح من الشيوع بحيث لم يعد مجال نقاش في وجوده أو عدم وجوده بل أصبح الحديث الآن عن خطره أو عدم خطره . وكم آلمني أن بعض من تصدوا للرد لم يفقهوا الفرق بين مصطلح ( الدُش ) و ( الدِش ) ، فالأول كلمة عامية تعني المروش والثانية كلمة إنجليزية بمعنى الطبق ، وتنقصها كلمة ( ستالايت ) الإنجليزية لتكون كلمة ” طبق فضائي ” .
وقد كان الكثير من المعجبين بالقنوات الفضائية يهزؤون من معارضيها بأن لا يعرفوا نطق الكلمة فكيف يعرفون خطرها .
إن المسألة التي نتحدث عنها أخطر بكثير من القنوات الفضائية العربية إنها مسألة البث التلفازي الغربي المباشر بلغاتنا المحلية . هذا البث إن تعاملنا معه بسطحية ( الدُش ) وتصويره على أنه مصيبة وكارثة لا نعرف مضمونها وخطرها سنقع لا محالة في انفعال عاطفي يمتد عدة أشهر أو أكثر ثم تخمد عاطفتنا عنه .
لكن النقد البناء المبني على دراسة آثار الإذاعات الغربية الموجهة باللغات المحلية على ثقافة وموروثات أمتنا كذلك إيضاح أثرها المتوقع على القنوات العربية الفضائية الحكومية والتجارية من حيث جودة الإنتاج وغزواته[6] . كل ذلك سيجعل من نقدنا أكثر موضوعية ويكون منه دافعاً لتطوير قنواتنا الفضائية العربية نحو الأمثل بدلاً من الهزيمة أما تيار القنوات الفضائية الغربية القادم . كما أن النقد البناء يمكن أن يدفع المسئولين في وزارات الإعلام إلى تبني سياسات وقائية تكنولوجية حين وصل قنوات فضائية غربية غازية ( وليست إعلامية ) كقنوات التبشير والجنس والتي ستصل لا محالة في بضع أشهر أو سنوات . ويمكننا أيضاً أن نوجه هؤلاء المسئولين في التحرك بقنواتهم نحو الأفضل في المواد والجودة . ولنا بذلك تجربة سابقة فلقد راهن الكثير على أن تتحول القنوات الفضائية العربية الخاصة إلى مرآة عاكسة لأغاني ( الراب والروك آند رول ) وغيرها وكذلك راهن البعض من كتابنا على أننا سنفقد الكثير في المملكة العربية السعودية من أخلاقياتنا وسلوكيات أبنائنا نتيجة هذه القنوات . لكننا اكتشفنا الآن أن حجم الضرر أقل مما كنا نتوقعه بل إن القنوات العربية ساهمت في خدمة مجال الفن العربي مساهمة فعالة وجعلته الأساس بدلاً من الفن الغربي في حين لم تصمد دول كالفيليبين[7] وتايلاند أمام الغزو الفني الغربي وأصبح لأسماء فناني الغرب مكانة كبيرة بين شباب وشابات تلك الدول . كما أصبحت تلك الدول محطة من محطات الفنانين الغربيين في تقديم حفلاتهم الدولية كحفلات ( مايكل جاكسون ) وغيره .
لابد في اعتقادي للراغبين في التصدي لموضوع البث التلفازي الغربي المباشر أن يدرسوه قبل أن يقع وأن يحاولوا دراسة جوانب الخير والشر فيه ثم يبدؤوا بالتأليف فيه والكتابة عنه ، وبذلك نكون قد خدمنا أمتنا ومجتمعاتنا وحكوماتنا بدلاً من الإنكار العاطفي غير المدروس الذي ينتهي بحقيقة الأمر الواقع أو أن يجعل من نقدنا مدعاة لسخرية الآخرين .
التوجيه المدروس لمجتمعاتنا النامية من خلال النقاط والإحصاءات التي يتوقع سلفاً موافقة المجتمع على قبولها :
مرت مجتمعاتنا النامية بمراحل تحضيرية ونقلات نوعية كبيرة خلال الخمسين عاماً الماضية ؛ فالغرب – كما أسلفنا – ولدت عنده الكثير من وسائل الإعلام الحديثة وعاصر تطورها كمجتمع . أما نحن فقد جاءتنا مولودة جاهزة دورنا فيها الاستفادة والتشغيل . ولذلك كان موقفنا من وسائل الإعلام متماشياً مع خلفياتنا البسيطة عن فوائدها ومضارها ولم تكن مبنية على دراسة وتعريف من قبل مثقفينا وعلمائنا . وفي ظني أن دراسة أثر وسائل الإعلام الحالية الموجودة في دولنا علينا كمجتمعات شرقية مسلمة يمكننا من التوقع سلفاً بنوع ومدى ردة الفعل لدى مجتمعاتنا تجاه البث التلفازي الغربي المباشر .
فدراسة الإحصاءات الواردة في الأبحاث الصادرة من اليونسكو[8] ومراكز البحث العلمي والجامعات والمعاهد التجارية تمكننا من معرفة عدد أجهزة استقبال أخرى يمكن أن نعلم مدى التأثير العملي في زيادة ثقافة قادة الرأي في مجتمعاتنا بمتابعتهم لهذه القنوات أو انخفاض الأداء الوظيفي للموظفين أو تأثير السهر لمتابعة أفلام القنوات الفضائية على حضور وانتباه الطلاب والطالبات في المدارس .
فهناك العديد من النقاط والإحصاءات التي يمكن الاستفادة منها ونحن نحضر لخطابنا الإعلامي لمجتمعاتنا النامية ، ولنا تجارب سابقة ساهمت الصحافة والتلفاز في الحد من ظواهر سلبية سابقة مثل ظاهرة السفر إلى الجنس في بانكوك ومانيلا[9] وغيرها . فلقد استخدمت الإحصاءات وطبيعة المجتمع المحافظ عندنا في الحد من سفر الشباب وغيرهم إلى تلك المناطق .
كما أن تجربتنا الإعلامية في مكافحة المخدرات نجحت بشكل معقول مقارنة بما هو موجود في الدول الغربية . فالمخدرات كان من المتوقع أن تصبح مع مرض الإيدز ذات انتشار كبير بين شبابنا وشاباتنا نظراً لوجود عوامل الانفتاح السياحي في دولنا وحجم الدخل للفرد الذي يمكنه من السفر للجنس أو شراء المخدر إلا أن الحملات التوعوية واستخدام الإعلام كأحد أهم مرتكزات مكافحة هذه الأمراض قلل بنسب كبيرة حجم الخطر .
واستخدامنا على سبيل المثال لخطر هذه القنوات الغربية في بث الجنس من خلال الإحصاءات من فرنسا وأمريكا وألمانيا سيسهل عملية التوعية من خطر الاشتراك في هذه القنوات عند بدء بثها لنا فتذكير رب الأسرة أن بناته وأبناءه قد يكونون ضمن ضحايا عشرات الآلاف من مراهقي أوروبا وأمريكا الذين كانوا ضحايا هذه القنوات قد يحد من انتشار الاشتراك فيها من الأسر بشكل عام والمحافظة منها بشكل خاص . كما أن إيضاح المضامين العقدية والثقافية والفكرية التي استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية نشرها من خلال الفلم والمسلسل الأمريكي في أوروبا قد يساهم في توعية المثقفين وقادة الرأي عن حجم الخطر القادم .
وفي ظني أن الجامعات من خلال كليات الإعلام والسياسة والاقتصاد والتربية والاجتماع وعلم النفس يمكن أن توجه أبحاثها في المراحل الجامعية والعليا إلى هذا الخطر المتوقع لتقدم حلولاً علمية بدلاً من انفعالات مدرس أو خطيب أو كاتب صحفي . إن تقديم هذه القنوات التلفازية الغربية درس وما زال يدرس في الدول الغربية على مدى سنوات من جميع النواحي الاقتصادية والسياسة والفكرية والاجتماعية قبل البدء في بثها [10]، وستظل هذه الدراسات مستمرة عندهم لتقويم هذا البث . أفلا تستحق مجتمعاتنا المستهدفة من هذا البث أن تقدم لها الجامعات ومراكز البحث دراسات عن طرق الاستفادة والوقاية من هذا البث ؟ أو لا تستحق حكوامتنا التي أنفقت على الجامعات في مختلف دول العالم الإسلامي آلاف الملايين أن تقدم لها دراسات واعية توضح النتائج المتوقعة ؟
ثانيا : المساهمة الإعلامية في برامج التلفزيون المحلية بصورة أكبر من الماضي :
إن البكاء على الأطلال صفة العاجز الذي أحبط أمله . لكن الساعي إلى الإصلاح يحتاج إلى طول الأمل والتدفق في العمل . ولقد عودنا كتابنا وأدباؤنا وخطباؤنا عندما تحل الملمات أن يندبوا حظنا ويستثيروا مشاعر الإحباط في نفوسنا ويكرروا عبارة ممقوته عندي ( لا حول لنا ولا قوة فيما حدث ولا يمكننا تغير شيء ) وكذلك العبارة ( إن الغرب يقف بأمواله وعساكره مع هذا الموضوع أو ذلك ) . وقد قلت مرة لأحد الخطباء وهو يتحدث عن آلام المسلمين في البوسنة بمثل هذه العبارات وأضاف عليها ( أحسن الله عزاءكم في الإسلام في البوسنة ) قلت : إن كان الغرب فعل كل ذلك فماذا فعلت أنت ؟ قال : الصبر والاحتساب ! فقلت : إنك في مفهومي عامل تثبيط وإحباط أكثر منك عامل وعظ وإدانة !! .
إن المثال الذي ذكرته ينطبق على البث التلفازي الغربي المباشر ، فكم ندب الخطباء والصحفيون والكتاب حظهم عندما بدأ البث الغربي الفضائي وذكروا أن ذلك نهاية الأخلاق المحافظة وبداية انتشار الفساد … إلخ ، ثم سكتوا بعد أشهر نتيجة الإحباط وعدم سماع الناس لآرائهم . أقول : كيف يفعل هؤلاء عندما تبث إسرائيل وفرنسا وأمريكا وبريطانيا قنوات فضائية بالعربية[11] ؟
إن بداية العلاج تكون في المساهمة الحقيقة في برامج التلفزيون المحلية والفضائية من عدة زوايا :
- تنويع الاهتمامات لدى معدي ومقدمي البرامج وعدم الانطواء على البرامج الدينية :
إن مما يؤسف له أن كل ذي لحية أو علم شرعي لا يمكن أن يبرز في التلفزيون إلا في البرامج الدينية كالأحاديث والندوات . أما البرامج الإخبارية والثقافية والمسابقات وبرامج المجلات التلفزيونية والبرامج الاقتصادية فكأنها ليست من اهتماماته وليست من وسائل الإصلاح الاجتماعي . ولا يمكننا ونحن نتحدث عن حماية مجتمعاتنا من خطر البث التلفازي الغربي المباشر إلا أن نؤكد على أن الانتقال من السلبية إلى الإيجابية ضرورة وطنية لحماية مجتمعاتنا . يجب أن ننتقل من مجرد النقد إلى العمل المنتج . إن جميع أبواب التلفزيون مفتوحة لكل مبدع واع لأهداف هذه الوسيلة ولأهداف الدولة أو الشركة المالكة لهذه الوسيلة وللجمهور المتلقي من هذه الوسيلة .
- لا يمكن أن تظل اهتماماتنا محدودة في البرامج الدينية معتقدين أنها ستحل وحدها المشكلة[12] : إن البرامج الاجتماعية في حاجة إلى خبير يجمع بين فهم المجتمع وأبعاد المشكلات الاجتماعية وبين العلم الشرعي وعلم الاجتماع وعلم النفس . كما أن تحليل الأخبار وكتاباتها يحتاج إلى القارئ السياسي والقارئ في الشئون الدولية ولا يكفي أن يكون عالماً في مجال محدد ليحلل ويفسر الأحداث السياسية . والمساهمة في هذه البرامج من الكتاب والأدباء والمفكرين سيساعد في تغيير الصورة النمطية عن هؤلاء إلى كتاب وأدباء ومفكرين فاعلين في المجتمع وفي تنازل قضاياه التربوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية .
- المبادرة إلى الحضور الإعلامي وعدم انتظار الدعوات في البرامج التلفازية :
إن مما يؤسف له أن يدعي أديب أو صحفي أو مفكر أو شخصية ذات ثقل اجتماعي إلى التلفزيون لتقديم برامج في تخصصه فيعتذر بكثرة ارتباطاته في الجامعة أو الصحيفة أو النادي الأدبي أو ارتباطاته الاجتماعية . وهذا الاعتذار متكرر بشكل لافت للنظر ، فلقد ذكر لي أحد هؤلاء المفكرين أن الإذاعة السعودية عرضت عليه سبعة برامج ليختار أحدها لإعداد وتقديمه ، فاعتذر عنها جميعاً بحجة انشغاله بالإشراف على ثلاث رسائل ماجستير والتدريس في الجامعة . قلت : وهل الإشراف على الرسائل أهم من هذه البرامج ؟ قال : نعم ! فهذا العمل أتقاضى عليه مرتباً يوجب علي أداءه بأمانة . قلت : وأين الأمانة عندما ترفض برامج يستمع لها أكثر من (18) مليون فرد للتفرغ للإشراف على (3) أفراد ؟؟! .
إن المسألة ليست موضوع أمانة أو عدمها بل إنها موضوع قناعة من عدمها .
إن طريق الإصلاح لمجتمعاتنا والحماية لها يوجب عرض النفس على المسئولين عن محطات التلفاز المحلية وشركات الإنتاج التجارية فضلاً عن رفض عروضهم . كما أن التنوع في تقديم البرامج سيساهم في قناعة هؤلاء المسئولين عن كفاءة الشاعر والأديب والمفكر والأستاذ الجامعي في الخروج من صومعته التي وضع نفسه فيها والدخول في معترك مجتمعه ينظر إليه من مستواه لا أن ينظر إليه من برجه العاجي .
وكلي قناعة أن كل محطات التلفزيون الحكومية والخاصة بحاجة إلى برامج في جميع المجالات لأن مساحة الزمن الذي تبث فيه تزيد سنة بعد سنة وقد تصل خلال سنوات إلى 24 ساعة يومياً الأمر الذي يجعل الحاجة أكثر إلحاحاً إلى برامج أكثر تنوعاً للحفاظ على المكانة في عالم المنافسة المحموم .
وسيبقى القرار قرارنا في المساهمة من عدمها ، وسيبقى المجتمع المستفيد من مشاركاتنا أو الضحية نتيجة إحجامنا .
- المفاضلة بين الأضرار من خلال قاعدة ارتكاب أخف الضررين :
يعتذر المتدينون من المشاركة في البرامج المختلفة في التلفاز ( فيما عدا البرامج الدينية ) لوجود عنصر الموسيقى ، أو مشاركة المرأة في التقديم ، ولا أود هنا الدخول في حكم الموسيقى أو مشاركة المرأة والشكل الذي تشارك به ، لكنني أود أن أضع جملة من الحقائق . إن الورع عن الدخول في مجال معين لا يعني أن هذا المجال سينتهي ، أو بمعنى آخر إن عدم المشاركة في البرامج الإخبارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبرامج المسابقات لوجود الموسيقى لن يلغي هذه البرامج بل يلغي وجود من امتنع عن المشاركة .
حقيقة أخرى أن كل برنامج يتركه الخبراء في التخصص سيقدمه الأقل تخصصاً . فمن المعلوم أن المذيع عادة ما يكون حاصلاً على درجة البكالوريوس في تخصص الإعلام أو غيره ، أما المتخصص في الطب والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية فهو خبير في تخصصه ، فعندما يقدم هذا البرنامج أحد الخبراء سيقدم معلومة أشمل وأوسع وأفضل من تلك التي يتولى إعدادها وتقديمها مذيع . ولذلك نجد أن البرامج الثقافية والتعليمية الغربية المدبلجة إلى العربية تثير اهتمامنا أكثر من غيرها لوجود المتخصص في إعداد المادة وتقديمها .
حقيقة ثالثة أننا نفرح لكل فنان أو فنانة تائبة عما فعلته من أخطاء وآثام أثناء عمرها الفني ، سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة ، فالخطأ يظل خطأ بصرف النظر عن مصدره ، لكن هل الحل بالابتعاد عن المجال الذي من خلاله حصلوا على خبرات كبيرة ومفاتيح للعمل الإعلامي ؟ هل بتوبتهم ستحمي صورهم القديمة من أفلامهم ومسرحياتهم ومسلسلاتهم ؟ أو أن الصورة ستظل ؟
إن الفن الذي قدموه فاسداً يوجب عليهم تقديمه صالحاً مناسباً لبيئتنا وتراثنا ومجتمعاتنا . إن غيرهم ممن يحاول البدء بتعلم الإعلام وفنونه ومدارسه دون الولوج في طريق الإثم والخطأ يحتاج إلى سنوات طوال لتعلم أدوات وطرق هذا الفن ، في حين هؤلاء يملكونها وقد مارسوها .
وقد آلمني طالب متقدم لمرحلة الدكتوراه عندما سألته أثناء المقابلة الشخصية لماذا تركت الإخراج الإذاعي الذي عملت فيه لأكثر من عشر سنوات وأصبح لك برامجك المتميزة واتجهت لإذاعة القرآن الكريم تخرج فيها – كما تقول – أحاديث مباشرة محدودة بعد أن كنت تخرج عشرات البرامج . قال : كنت كذلك لكني الآن أرفض المشاركة في برامج فيها عنصر الموسيقى.
هذا المثال وغيره تورع عن أمر يرى فيه حكم شرعي بأنه محرم وله كامل الحق في ذلك مادام الأمر مبنياً على دليل شرعي . وكذلك من يرى أن خطر الموسيقى ومشاركة المرأة في البرامج التي يقدمها أخف ضرراً من ترك هذا المجال ومحاولة منه في سد ثغرة من الثغور الإعلامية المفتوحة فله اجتهاد مادام قد استفتى في ذلك .
ثالثا : تفعيل الضغط الاجتماعي في توجيه المجتمع[13] :
لكل مجتمع وجوهه وأعيانه . ويمكن تقسيم هؤلاء الوجوه إلى نوعين : وجوه اجتماعية ووجوه فكرية وأدبية وثقافية وتربوية ويمكن استغلال هذه الوجوه الاجتماعية في توضيح الخطر المتوقع للبث التلفازي الغربي المباشر زذلك من خلال :
تفعيل الضغط الاجتماعي من خلال وجوه الناس وأعيانهم :
في كل حي وحارة في المدن وجوه اجتماعية ذات أياد بيضاء في الخير أو نسب يرفع مكانتها أو تجارة عززت وجوها الاقتصادي والاجتماعي ولهذه الوجوه كلمة مسموعة في العادة عند محبيهم وزوارهم . كما أن في القبائل مشايخ وأمراء لهم كلمة مسموعة . وكذلك الحال في الدول التي بها نقابات مهنية هناك قادة النقابة الذين يسمع لهم .
هذه الطاقة التوجيهية يمكن استخدامها بعد توعيتها بحجم الخطر المتوقع من البث التلفازي الغربي المباشر . وتوعيتها ضرورة حتى لا تتحول إلى عاطفة تتأجج فترة من الزمن ثم تخبو وتموت إلى سبات . إننا نحتاج إلى تفعيل دور هؤلاء الوجوه والأعيان ؛ فهم في المفهوم الإعلامي قادة رأي أكثر التصاقاً بالمجتمع وأكثر تأثيراً لاستخدامهم الاتصال الشخصي المباشر . ولذلك يجب عدم التقليل من أهميتهم والبحث عن السبل للوصول الشخصي إلى إقناعهم بحجم الخطر وإقناعهم بضرورة المساهمة في العلاج .
ولتثقيفهم يمكن استخدام الاتصال الشخصي من خلال أدبائنا ومفكرينا وكتابنا ، وكذلك من خلال الحرص على دعوتهم في الندوات والملتقيات التي تتحدث عن هذا الجانب ودعوتهم للتعليق على هذا الموضوع . كما أن إهداءهم الكتب والأبحاث التي تتحدث عن هذا المجال وتلخيصها إن أمكن أفضل .
تفعيل الضغط الاجتماعي من خلال الكتاب والأدباء والمربين والعلماء :
تعودنا دائماً بأن نلتقي على كتابنا وأدبائنا ومربينا وعلمائنا مسئولية ما يقع من أخطاء اجتماعية وفكرية في مجتمعاتنا . وهذا الاتهام يمكن أن يستخدم كدافع لكل مفكر وكاتب وأديب وعالم في الانطلاقة نحو مجتمعه ليدافع عن نفسه بتقديم ما يراه فائدة وما يراه خطراً على مجتمعه . لماذا تترك مسألة إنكار المنكر على العلماء ؟ ولا يساهم فيها الأدباء أو المربون أو المفكرون ؟ لماذا لا نسخر أدبياتنا في تناول موضوع كموضوعناً : الحماية الذاتية لمجتمعاتنا من البث التلفازي الغربي المباشر ؟
لو ركزنا في منتدياتنا الثقافية والأكاديمية والفكرية على ضرورة مشاركة قطاعات الفكر والأدب والثقافة كافة في مواجهة الهجمة الثقافية الغربية لأنتجنا مؤلفات في خطر البث التلفازي الغربي المباشر ودراسات أكاديمية جامعية وعليا في نفس الموضوع ولوجدنا في الأسواق قصصاً لأدبائنا تنقل ما عاشه الغرب نتيجة الفراغ وما يمكن بأن نعيشه إن مشينا على خطواته كما يمكن أن تكون الفصول من المراحل الدنيا الابتدائية إلى العليا الجامعية مسرحاً لمربينا يقومون فيها بتصوير الخطر بالطريقة التي تتناسب مع عقول وفهم كل مرحلة .
وهذا لا يغفل دور العلماء في المسألة ، فهم قادة الرأي في المجتمع لهم كلمتهم المسموعة وعليهم أن يفهموا حجم الخطر حتى لا يقعوا في الانفعال العاطفي المؤقت .
كل هذه الجهود يمكن تنسيقها في ندوات ومؤتمرات على مستوى العالم الإسلامي أو العربي لتلاقح الأفكار وتبادل التجارب والخروج بتوصيات أكثر فاعلية وأقرب لنفوس مجتمعاتنا .
المحور الثاني : خطوط دفاعنا المتينة :
تعد الأسرة النواة للمجتمع من المفهوم الإسلامي فهي بذلك البداية الحقيقية لأي مشروع حضاري وفكري للتغيير الاجتماعي في المجتمعات المسلمة . كما يعتبر مجتمع الأصدقاء الدائرة الثانية في دائرة التأثير الاجتماعي حيث يتلقى الفرد في هذا المجتمع معلومات وثقافات جديدة غير التي تلقاها في محيط أسرته . ثم النقلة الثالثة سلباً أو إيجاباً يجدها في مجتمع الجارة أو الحي . وقد ملئت أدبياتنا بقصص عن مجتمع الحارة والحي وتأثيره في كبار العلماء والأدباء كما ذكر تأثيره في تطورنا الاجتماعي والحضاري .
أولا: الأسرة ومكانتها في التصور الإسلامي :
من المعلوم أن لوسائل الإعلام بشكل عام والتلفزيون بشكل خاص دوراً مهما في التغيير الاجتماعي وذلك للعلاقة المتصلة بين الأسرة والتلفزيون يومياً . وهنا سندرس الدور المنوط بالأسرة في حماية أفرادها من خطر البث التلفازي الغربي المباشر إن هي أحسنت صيانة حصونها الداخلية من الأفات الاجتماعية وكونت أسرة متفاهمة متماسكة .
للأسرة مكانة في التصور الإسلامي تختلف عن التصورات الغربية لمفهومها . فالأسرة عندنا ارتباط رجل بإمرأة بعقد زواج شرعي ، ينتج عن هذا الزواج أبناء وبنات شرعيون . وكما تكونت هذه الأسرة شرعياً فيمكن أن تنتهي شرعياً بالطلاق .
وهذا التصور الإسلامي يختلف تماماً عن التصور الغربي . فالأسرة في المجتمع الغربي الحديث قد تكون أحد الأمثلة التالية :
– زواج رسمي كما هو الحال في مجتمعاتنا المسلمة بين رجل وإمرأة ينتج عنه أبناء وبنات شرعيون.
– زواج رسمي بين رجلين من الشاذين جنسياً يمكنهم تبني أبناء وبنات ينسبون لهم .
– زواج رسمي بين امرأتين من الشاذات جنسياً يمكنهم تبني أبناء وبنات ينسبن لهن .
– أسرة المرأة الواحدة (single mother ) حيث يمكن لأم مطلقة أو أرملة أو منفصلة دون طلاق من زوجها أن تكون أسرة من أبناء وبنات شرعيين أو غير شرعيين .
– إمرأة ترغب في أبناء أو بنات دون رغبتها في الارتباط بزواج رسمي فتلجأ إلى بنوك الحيوانات المنوية أو تعلن ن رغبتها في الحمل دون زواج بهدف الحصول على أبناء أو بنات دون حصول جماع عن طريق التلقيح الصناعي .
كل تلك نماذج لما يمكن تسميته ” أسرة في الغرب ” . أما التصور الإسلامي فهو تصور واحد غير قابل لتعدد وهو قيام نواة من رجل وإمرأة يرتبطان بعقد شرعي ، ولا يمكن تسمية أبنائهم وبناتهم باسم الأب إلا إذا كان من إنتاجهم . وما عدا ذلك من التبني ، فيظل نسبته لأبيه وإن عاش في ظل هذه الأسرة .
والأسرة في تصورنا الإسلامي أساس من أسس قيام مجتمع فاضل يدعو للإسلام . فأبواب الفقه الإسلامي تبدأ بالطهارة والصلاة ، ثم تنفرد بأبواب كثيرة عن الخطبة وأحكامها وشروطها ، ثم الزواج وأحكامه بالنسبة للزوج والزوجة . ثم تتطرق للمعاشرة الزوجية وآدابها ، ثم الحمل والإنجاب والأحكام الخاصة بالنفساء والحائض . وكذلك الحال في الأحكام الخاصة بتدريب الأبناء على الصلاة وتربيتهم ، ومروراً بحقوق الوالدين وحقوق الأبناء .
وكما بدأت الأسرة تنتهي ؛ فأحكام الميراث وأحكام الطلاق من أكثر الأبواب تفصيلاً في كتب الفقه . زكذلك ورد في أبواب القصاص وغيرها من الأبواب أحكاماً متعلقة بالأسرة في إنفاذ الحد أو الاكتفاء بالدية بعد موافقة جميع افراد الأسرة ويؤخر الحكم حتى يكبر القاصر منهم.
كل هذا الاتساع في تناول موضوع الأسرة بتفصيلاته يدل دلالة واضحة على مدى الاهتمام بهذه النواة الاجتماعية . وعلينا ونحن ندرس الطرق المحتملة لحماية مجتمعاتنا من خطر البث الغربي المباشر أن نبدأ من هذه النواة الاجتماعية الأولى . ومن المؤكد أن كل أسرة تمر بمجموعة المتغيرات الاجتماعية داخل كيان الأسرة وتحتاج إلى مرجعية دينية وأخلاقية لتقيس من خلالها حجم الاختلاف بين المرجع والواقع .
ففي كتب السير والحديث أفردت أبواب عديدة في تناول آداب الأسرة . فالأسرة كيان إنساني قائم على الإنسان بنوعيه الذكر والأنثى ، ولكل واحد أحاسيسه ومشاعره ومزاجه وطباعه ، ولكل واحد آماله وآلامه . كما أن كل واحد منهما قد من أسرة أخرى لها تأثيرها الإيجابي أو السلبي في مسيرة الأسرة الجديدة .
وقد اهتم الإسلام بهذه الآداب من خلال إيجاد النموذج الأمثل وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فعلاقته بزوجاته سجلت في كتب الحديث والسير . وكل حادثة من هذه الحوادث المذكورة في تراثنا عبارة عن مثال لما يمكن أن يحدث داخل الأسرة وكيفية علاج هذه المواقف السلبية والإيجابية . فعائشة رضي الله عنها وعلاقتها برسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره وحضره نموذج لما يمكن أن تكون عليه الأسرة المتوافقة . كما أن مواقفها من زوجاته الأخر نموذج لإنسانيتها الأنثوية وعلاج رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأنثوية الزائدة فيها نموذج لما يمكن عمله في هذه الحالات .
كما أن علاقته بزوجاته عندما أكثرن عليه في التوسيع عليهن في حياتهن وموقفه من ذلك نموذج آخر للإنسانية الراغبة في الدنيا ونموذج له صلى الله عليه وسلم في ارتباطه بالآخرة . وكذلك الحال في صبر الزوجات وأدبهن عند مرور الهلال والاثنين والثلاث أهله دون أن يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار . وإن المتأمل لتلك السيرة العطرة ليرى فيها جميع جوانب الحياة الإنسانية ..
وأوردت السيرة والأحاديث الفصول عن تعامله صلى الله عليه وسلم مع فاطمة رضي الله عنها وأسلوب التربية الأمثل الذي يفرد لها فراشه عندما تزوره ويهدد بقطع يدها إن هي سرقت . تلك التربية التي أنتجت أسرة أخرى لها ابنان شريفان ( الحسن والحسين ) . هكذا حرص علماء الحديث والسير على إعطاء التصور الأمثل لما يمكن أن تقوم عليه الأسرة في التصور الإسلامي .
وجاء المفكرون في العصور الإسلامية المختلفة لينهلوا من هذا المعين الصافي ويخرجوا بمجموعة من النظريات الإسلامية في التكوين الأسري والتربية الإسلامية للأبناء والبنات . كما أنتج علماؤنا مجموعة من التصورات الإسلامية لشكل البيت المسلم في ظل حضارة القرن العشرين . تجمع هذه التصورات بين القيم الإسلامية الثابتة وبين ظروف العصر بدءاً من تعليم المرأة وعملها ومروراً بتربية الأبناء والبنات في ظل التدفق الإعلامي الكبير . ومن هنا يأتي دور المؤسسات التربوية والاجتماعية في دراسة خطر البث التلفازي الغربي المباشر ووضع تصورات منطقية تمكن الأسرة من حماية كيانها مع الاستفادة القصوى من معطيات البث المباشر .
ومن الجميل في النظريات والتصورات الإسلامية لمفكرينا أنها عادة متسقة المنهج والأهداف وإن اختلفت في الأساليب .
على عكس التصورات الغربية لمفهوم الأسرة تنطلق من مرجعيات دينية واجتماعية وسياسية مختلفة . ولعل السبب أن تصوراتنا ونظرياتنا منطلقة من مرجعية واحدة – كتاب الله وسنة رسوله – الأمر الذي جعل التقارب في التصور ميزة واضحة في التصور الإسلامي لمكانة الأسرة .
فلا يمكن أن نجد في التصور الإسلامي من يرى الأسرة مكونة من عنصر واحد أو من عناصر شاذة أو أبناء غير شرعيين . كما أن التصور الإسلامي يرفض العقوق من الأبناء للآباء ، ويرفض التنازل عن الحقوق للزوج أو لزوجة إلا برضا الطرفين ، كما يرفض التنازل عن الأبناء للغير بهدف التبني . كل تلك وغيرها أمثلة على مدى التوافق الإسلامي لمفهوم الأسرة .
الأسرة في الواقع المشاهد :
تغير واقع الحياة البسيطة التي عاشها الإنسان منذ بدء الخليقة حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ؛ فلقد تقدم الإنسان صناعياً وحضارياً ، وتحول الحمار إلى سيارة ، وجمال السفر إلى طائرات ، وزوارق الصيد الصغيرة إلى عابرات المحيطات . وأصبح المنزل الذي كان يضم عدة أسر من أعمام وأبناء أكثر رحابة وأوسع معماراً ، ولكنه يضم أسرة واحدة . وانتهي في المدن (على الأقل) نظام العائلات في العمل ( أبناء النجار الذين يعملون مع أبائهم ، وأبناء الحداد وأبناء المزارع … إلخ ) إلى مجموعة من موظفي الحكومة والشركات أو ملاك العقارات والمصانع والمزارع والشركات . وتحول التعليم المبسط إلى ست مراحل : ابتدائي – متوسط – ثانوي – جامعي – ماجستير – دكتوراه .
وكذلك الحال في السلالم الوظيفية ؛ فالموظف يطمع ليكون رئيس قسم ، ثم مدير فرع ، ثم مديراً إدارياً ثم مديراً عاماً ، ثم عضو مجلس إدارة … إلخ .
ولذا فأصبح السباق لا ترى له نهاية ، والكل يجري إلى المرحلة التالية من كل شيء .
وهكذا ظهرت ضربية المدنية الحديثة ؛ فالأسرة تلتقي للطعام وفي أوقات محدودة يعم فيها الصفاء والمصارحة ؛ فالأب يعد المنزل مكان راحته يعد بعد عمل يوم طويل ، والأم العاملة تصر على المساواة في التعب والراحة بينها وبين زوجها ، والأبناء والبنات يحتاجون للرعاية الدراسية في المساء والترفيه في آخر الأسبوع ونهاية العام .
هذه الدواما المتكررة يومياً أوجدت العديد من الأمراض الاجتماعية ؛ كالسهر الطويل على شاشات الأطباق الفضائية أو لدى مجموعة الأصدقاء ، وكذلك الحال في الترف الاجتماعي والاعتماد على السائق والخادمة والمربية في توفير ما ينشغل الأب والأم العاملة عن توفيره لأبنائهم وبناتهم كما تركت مهمة التثقيف لشاشات التلفزيون عبر القنوات المحلية والعالمية بما فيه من أفلام عنف .. ويعطى الابن في المرحلة الثانوية الحرية في التعود على السهر عند أصدقائه ، والبنت على نزول الأسواق وسهرات خاصة مع صديقاتها . ويترك الأطفال من سن التوجيه للمربيات المسلمات وغير المسلمات اللاتي لا يعرف عن تاريخهن في التربية سوى شهادة المكتب الذي تم استقدامهن عن طريقه[14] .
هذا الواقع الذي مر على الأسرة في الغرب منذ بداية القرن ونعايشه نحن الآن في شرقنا المسلم في هذه العقود لا بد من نظرة خاصة له . فالتفكك الأسري الذي كنا نحدث الناس عنه في الغرب بتنا نعايشه في شرقنا . ونسب الطلاق المتدنية التي كنا نفخر بها عندما نتحدث عن الغرب صرنا نسمع عن نسب مقاربة لما وصولا إليه . والعقوق الذي لم يكن معروفاً في مجتمعاتنا ملئت صفحات جرائدنا بأخباره بدءاً من رمي الآباء والأمهات في دور العجزة إلى قتل الابن لأبيه وأمه . وفرار الابن أو البنت من بين الوالدين لأسباب مادية أو لقصة حب طائشة ، أو هرباً من بيت محطم . وهي نتيجة طبيعية لمفهوم التعرض المستمر لأنماط سلوكية واجتماعية من خلال الأفلام والمسلسلات الغربية مع وجود فراغ كامل أو ناقص في الخلفيات الدينية والمرجعيات الأخلاقية .
وكم سمعنا عن مرض منتشر في أمريكا يقال له الإدمان على مشاهدة التلفزيون لفترات طويلة ، ولم نعايشه قبل وصول الأطباق الفضائية لانتهاء البث وبدايته في تلفزيونات دولنا في أوقات محددة . فإذا بمجموعة من الدراسات الأكاديمية تدرس وجود هذا المرض في دولنا بعد وصول القنوات الفضائية التي تبث أربعاً وعشرين ساعة يومياً وانتشاره بين ربات البيوت أولاً ثم بين الموظفين ثم الآن بين الطلاب والطالبات وفي المراحل المختلفة .
كل تلك الأمراض أفرزتها عوامل عدة من بينها تطور المدنية الحديثة وقلة الوعي التربوي وزيادة التدفق الإعلامي الغربي – من خلال التلفزيون والفيديو سابقاً والآن من خلال البث المباشر – وزيادة حجم المال الموجود في يد الأفراد . وقد أثمر ذلك تفككاً أسرياً وزيادة حالات الفشل في الزواج وزيادة انعدام الثقة داخل الأسرة في اتخاذ القرارات المصيرية ؛ كزواج الأبناء والبنات نوعية العمل وتحديد نوع الأصدقاء .
كما أن القنوات الفضائية ساهمت في تقديم نماذج جديدة للشباب والشابات ، هذه النماذج تمثل – حين عرضها – أحدث ما أنتجته ( الموضة ) في اللبس والفن والثقافة . ولم يعد هناك حد واضح لمفهوم المتحضر عند الإنسان العربي إلا من خلال ما يعرض في القنوات الفضائية الغربية . فطريقة الأكل واللبس واختيار ألوان الملابس وديكور المنزل ، وطريق التعامل مع الجنس الآخر ، وأماكن السهر والسياحة ، والفرق الرياضية وفناني الراب والروك أندرول ، وراقصات هز البطن ، كل ذلك يفرض على الجمهور المستسلم لهذه القنوات ( المدمن ) . فالشاب أو الشابة اللذان لم يوجها توجيهاً إسلامياً أو تربوياً ولم يجدا من والديهما نموذجاً أخلاقياً يمكن اقتباسه لابد أن يجدا فيما يعرض نماذج متحضرة اتفق عليها رأي القائمين على هذه القنوات .
التعايش الأسري :
من المعلوم أن أولى خطوات العلاج تشخيص المرض بدقة . والأسرة – كما أسلفنا – نواة المجتمع وأساسه ، وصلاحها صلاحه ، وفسادها فساده . وفي ظني أن التعايش الأسري هو الحل لأمراضنا الاجتماعية جميعاً وأهمها حماية الأسرة من الخطر المتوقع للبث الفضائي الغربي المباشر . إن التعايش الذي أعنيه أن يشعر الفرد بأن الحياة في أسرته هي الحياة الحقيقية ، وأن ما عداها حياة أخرى ذات عيوب كثيرة . فدوامه الحياة اليومية الطاحنة يمكن تصورها في البرنامج اليومي لأي أسرة . فمع خيوط الفجر يبدأ طابور الاستعداد في المنزل وتحاول الأم إيقاظ الأبناء والبنات وهي تكمل ملابسها أثناء إعداد إفطار سريع يعتمد أساساً على ما أبدعته أمريكا وأوروبا من معلبات وكورن فلكس . وخلال ذلك يشرب الأب – على وجه السرعة – فنجان قهوته وهو يزمجر في البيت ويرعد على الأبناء والبنات لتأخرهم عن المدرسة . وتكمل الفتاة والفتى لبس الحذاء وتمشيط الشعر أثناء السير في طريق المدرسة . ثم يصل الأب إلى مكان عمله بعد إيصال الأم إلى عملها مغضباً مضطرباً يحذر تأنيب رئيسه على تأخره .
وبعد الظهر يعود الجميع إلى المنزل وهم في حالة أسوأ من الحالة التي كانوا عليها صباحاً . فالأبناء والبنات مرهقون من يوم دراسي طويل يمتد إلى قبيل العصر ، والأم متعبة من عملها ، والأب يبحث عن ضحية في أسرته ينفس بها عن مشكلات عمله . وتبدأ المعركة في المنزل عند تأخر الغداء أو عدم جودته ، وتثار مشكلة المرأة العاملة ، وتثير هي مشكلة الدخل المتدني ودورها في حل المشكلة بعملها . وتهدأ العاصفة بقيلولة تمتد إلى ما بعد العصر . ويتابع الأبناء والبنات الصغار أفلام الكرتون وبرامج الأطفال ، ثم تبدأ الدراسة على عاتق الأم حيث يكون الأب قد خرج لزيارات محددة أو مفتعله . وبعد العشاء يبدأ الصفاء بنوم الأطفال ويصر الأبناء والبنات في سن المراهقة على متابعة الأفلام والمسلسلات إلى ما بعد منتصف الليل أو على الأقل إلى حين حضور شرطي المنزل ( الأب ) ليثور عليهم ويذكرهم بخطر السهر على صحة الإنسان ! ثم يسهر الأب والأم على شاشة التلفزيون ينظر كل منهم إلى الآخر ولايريد أن ينبس هو أو هي بشيء حتى لا يقطع على الآخر متابعة الفلم أو المسلسل . وينتهي اليوم كما بدأ ، إرهاق وتعب واستعداد ليوم آخر مماثل .
إن ما ذكرته ليس من نسج الخيال بل هو واقع محسوس ، هذا الواقع جعل من وسيلة التلفزيون المحور الأساسي في التثقيف والترفيه واكتساب القيم والموحي بالحلول السلوكية والاجتماعية للمشكلات الأسرية والشخصية لكل فرد من أفراد الأسرة . مما ولد جفافاً عاطفياً بين أفراد الأسرة ؛ فالأب والأم يبدءان مسيرة اليوم بسرعة لا تسمح لهما تبادل ابتسامة صباحية ، والأبناء والبنات يبحثون عن الأب لطلب المصروف أو لشراء احتياجات للمدرسة . وفي الظهر يحاول كل فرد من الأسرة أن ينهي طبق طعامه ليسابق إلى الفراش لقيلولة سريعة . فلا يتكلم أحد إلا لنقد الطعام أو غيره . وفي العصر يهرب الأب من المنزل خوفاً من ربطه بتدريس الأولاد ، أو طلبات الإيصال لزوجته أو بناته إلى صديقاتهن . وفي الليل يعود الأب وقد نام الصغار ويثور على الكبار من الأبناء والبنات لينفرد بزوجته التي تعبت من خدمة المنزل وتدريس الأولاد فيتقابلان ببرود ويتوجهان نحو شاشة التلفاز بحثاً عما ينسيهم عناء ذلك اليوم الطويل .
إن العلاج كما ذكرت بالتعايش الأسري حيث يشعر الأب أنه رب الأسرة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى فهو ليس آلة لصرف النقود على زوجته وأبنائه وبناته . ولكنه حنون يربت على كتف ابنه الشاب ويلعب مع ابنه الصغير بالكرة ويلعب بشعر ابنته . كما يقوم بلفت الانتباه لزوجته بأنه مشارك في التعب معها في عرينها من خلال عمل فنجان القهوة بنفسه أو المبادئة برفع أطباق الطعام بعد الأكل . وكذلك الحال عندما يعود مرة كل أسبوع أو كل شهر بعد العشاء ومعه وردة جميلة أو هدية بسيطة أو عشاء مميز تفضله الزوجة .
وكذلك الحال للمرأة الحديدية . فالله قد وصفها في محكم آياته بأنها سكن للزوج (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها )) – الروم : 21 – . ومن المعلوم أن السكن هو ما يلجأ له الإنسان في نشاطه وتعبه وفي فرحه وحزنه . فالزوجة عندما تعود نفسها على الابتسامة أثناء التعب ستكون مشعل الحب في هذا المنزل . فطلبات الأبناء والبنات لا تنتهي وضيوف الزوج وضيوف الزوجة متواصلين وكذلك ترتيب المنزل ومتطلبات عملها . ولا يمكن أن تمتلك امرأة هذه القوة لأداء هذا المجهود الشاق إلا على حساب صحتها وخصلات بيضاء تنتشر في شعرها . لكن الابتسامة والتفاؤل وتعويد الآخرين على المساعدة في هذه الواجبات بالترغيب والأجر المادي والمعنوي لأطفال سيجعل من البيت خلية متكاملة ويشعر الجميع بالمسئولية .
كما أن من المهم أن تحدد كل أسرة دور التلفزيون في حياتها وما الحدود التي يمكن قبولها من هذه الوسيلة في التوجيه ومالأمر التي يجب أن تكون الأسرة هي الموجه الأساس فيها . كل ذلك سيخلق جواً اجتماعياً نظيفاً يمكن من خلاله مناقشة القضايا الأخرى التي تدور بالمنزل . فالجلوس كعائلة في فترات العصر أو بعد العشاء مباشرة دون متابعة التلفزيون سيجعل الموضوعات المطروحة للنقاش أكثر واقعية واهتمام من الجميع . وشعور الأب بأن الجميع سيصمد معه نتيجة أزمة مالية أو بداية بناء مسكن بدلاً من الشقة التي يعيش فيها كل ذلك سيريحه ويجعله أكثر قناعة بجدوى التعايش مع أسرته والأم التي تبدأ بإيجاد هوايات جديدة في المنزل لأبنائها وبناتها سيتيح لها ذلك الالتصاق بهم أكثر ومعرفة ما يدور في أذهانهم .
إن المشكلة الصغيرة التي تحل سريعاً بالتفاهم وطرح البدائل أفضل من وضع الرأس داخل الرمل وإقناع النفس بعدم وجود مشكلة حتى تكون الطامة وعندها لا بد أن يكون الحل جراحياً ومؤلماً . ولمن شاء أن يقرأ في صحفنا عن مشكلات الطلاق والانحراف التي تبدأ عادة من بيت محطم فعلياً وإن كان في شكله يحمل مقومات البيت السليم .
التفاهم الأسري :
لكن ما الحل إن كان دوام الزوج عائقاً للتعايش الأسري كدوام الأطباء أو الطيارين أو موظفي الشركات الذين يتجزأ دوامهم ليغطي فترات الصفاء في المنزل أو أصحاب المحلات الذين يبدؤون دوامهم مع إشراقة الشمس وينتهون قرب منتصف الليل . كذلك مالحل عندما يقع المحظور وتتجزأ الأسرة الواحدة بسبب الطلاق .
إن الظروف المعيشية والاجتماعية قد تكون سبباً في تفككنا الأسري ولكن إذا انطلقنا من قاعدة التفهم لظروف الآخرين داخل الأسرة فستحل كثيراً من مشكلاتنا .
ماذا يمكن للطبيب أو صاحب المحل أو غيره أن يفعل وهو بعيد عن زوجته وأطفاله معظم النهار . إن المسألة يمكن أن ننظر إليها على أنها واقع يمكن تغييره وليس كما يظن البعض بأنه واقع لا يمكن تغييره . فما يمكن عمله هو تحويل فترة اللقاء الأسري من بعد العصر إلى أي فترة صباحية مبكرة أو بعد الظهر أو بعد العشاء . فالعبرة ليست بالوقت ولكن باللقاء .
ولكن لا يمكن أن يتم ذلك والأبناء والبنات مجهدون أو مقبلون على النوم أو أنهم قد أفاقوا من نومهم قبل قليل إلا بتعاون الأم والأبناء والبنات وتفهمهم لحاجة الأسرة إلى الترابط والتعايش . إن هذا التفهم يمكن أي يغير من أوقات نومهم وأوقات مشاهدتهم للتلفاز وأوقات مراجعة دروسهم بنفس القدر الذي يمكن أن يغير من سلوكياتهم تجاه الآخرين داخل إطار الأسرة.
كذلك الحال بالنسبة للأب الذي يجب أن يتفهم ظروف أسرته ويكيف مجتمع أصدقائه وارتباطاته بما يتناسب مع مواعيد أسرته . كما أن عادات المشاهدة لبرامجه المفضلة في التلفزيون يمكن أيضاً تعديلها بما يتناسب مع ظروف أسرته .
إن التفاهم الأسري يجعل لكل أطراف الأسرة أدوات للفهم لاحتياجات الآخرين دون الحاجة عن التعبير اللفظي عنها . فالأسرة السعيدة هي التي تعبر عن احتياجاتها وتنفذها دون كثير وقت وعناء . حتى الأسرة التي انقسمت يمكن للأبوين الحكم الأبدي بشقاء أنفسهم وأبنائهم وبناتهم بتحويل مسألة الطلاق إلى حرب البسوس تمتد أربعين عاماً ويدخل فيها كل شامت وحاسد . ويمكن بالتفاهم بعد الطلاق أن يزور الأبناء أباهم وأن تزور الأم أبناءها وبناتها ، موقنين بأن قدر الله تعالى أراد ألا يستمر هذان الزوجان في بيت واحد ، لكن يمكن أن تستمر الأسرة متفاهمة مع الوضع الجديد ومتكيفة معه . كيف لا والأبناء والبنات يحملون اسم الأب وقد حملتهم من قبل أمهم في بطنها ؟
إن مثل هذه النظرة يمكن أن تحمي أسرنا من الضياع والتحطم والاندفاع نحو إدمان المشاهدة للتلفزيون كوسيلة للهرب من الواقع الذي نعايشه . وستكون هذه النظرة أيضاً وسيلة لحماية أسرنا من التوجيه السلوكي والاجتماعي المتوقع في حالة وصول لبث التلفازي الغربي المباشر . كما ستدفع في نفوسنا بارقة أمل تجعلنا نوقن بأن أي مشكلة تواجه الأسرة من عمل أو طلاق أو … إلخ ، ليست نهاية العالم ، وأن هناك صبحاً جديداً ينتظر شروقه .
ثانيا : مجتمع الأصدقاء العائلي :
اتفقنا سابقاً بأن مجتمع الأصدقاء يشكل الموجه الثاني في سلسلة الموجهات للفرد بعد الأسرة . وهذا المجتمع يمكن أن يوجد من خلال الاشتراك في جمعيات مهنية وكشفية واجتماعية . فجماعة السلام الأخضر وأطباء بلا حدود وغيرهما من المنظمات الدولية قائمة على فكرة الصداقة من أجل مشروع محدد وكذلك الحال بالنسبة للجمعيات الكشفية العالمية والإقليمية وأعضاء أندية التعارف الدولية والإقليمية .
وحيث إن لمجتمع الأصدقاء دوراً في التأثير المباشر في سلوكياتنا وأخلاقنا فلا بد من دراسة هذا المجتمع وطرق الاستفادة منه في حماية مجتمعاتنا من خطر البث التلفازي الغربي المباشر . فالأصدقاء قد يكونون السبب المبشر في اقتناء الأطباق الفضائية لالتقاط محطات عربية أو غربية مفيدة كما يمكن أن يكونوا أيضاً السبب في الاشتراك في قنوات الجنس وغيرها . ولكن يظل السؤال من ينتقي الأصدقاء هل هو الفرد أو المهنة أو المدرسة أو البيئة والحي .
انتقاء مجتمع الأصدقاء العائلي :
الأسرة المكونة من أربعة أفراد أم وأب وابن وابنة سيكون لها أربعة مجتمعات للأصدقاء مجتمع الأب الذي يبدأ من العمل أو زملاء الدراسة أو جيران الحي أو أقارب معينون تربطه بهم صلة أكبر . ثم الأم وزميلات العمل أو جارات العمارة أو الحي وكذلك بعض زميلات الدراسة أو قريبات محددات . أما الأبناء والبنات فيتحدد مجتمع أصدقائهم بزملاء المدرسة أو الجيران في الغالب .
من هنا يتضح أن التأثير في أسرة مكونة من أربعة أفراد سيكون رباعي التوجيه . ويمكننا ونحن في محاولة مساعدة الأسرة على تخطي أخطار البث التلفازي الغربي المباشر المتمثلة في نقل سلوكيات اجتماعية وثقافية لا تتناسب مع بيئتنا الإسلامية والشرقية أن نوضح أهمية توحيد مجتمع الأصدقاء قدر المستطاع .
ما أقصده أن تكون الأسرة كلها صديقة لأسرة مشابهة لها . كأن يكون الأب صديق الأب والأم صديقة الأم في الأسرة الثانية وكذلك الحال بالنسبة لأبناء والبنات .
والسبب في هذا المشروع أن تجد الأسرة نفسها في بيتها بالترابط الأسري وأن تجد نفسها في أصدقائها . فلا يمكن في ظل الحياة السريعة التي نعيشها أن تكون لنا ولزوجاتنا ولكل ابن من أبنائنا وبنت من بناتنا مجتمعات أحادية من الأصدقاء مستقلة 100% دون أن تكون على حساب التربية والتوجيه .
كم من الآباء يعلم من هم أصدقاء أبنائه بالتحديد وما أعمارهم وعائلاتهم وسلوكياتهم وخلفياتهم الفكرية والاجتماعية . وكم من الأمهات يعلمن عن صديقات بناتهن اللاتي يقضين جزءاً من اليوم معهن على سماعة الهاتف ويسهرن معهن في مناسبات عديدة . لماذا نفاجأ ببدء المعاكسات الهاتفية من بيتنا وإليه عند وجود مراهقين في المنزل .
وكذلك الحال بالنسبة لأصدقاء الزوج الذين يسهر معهم من هم بالنسبة لزوجته ما اهتماماتهم وما سلوكياتهم . ولماذا الزوج دائم التأفف من صديقات زوجته اللاتي يرى فيهن مصدراً لتحريك الزوجة للمطالبة بالمزيد من التغييرات في المنزل والمواصلات وجنسيات الخادمات …. إلخ .
إننا نعتقد أحياناً أن مثل هذه الأمور من البساطة بمكان بحيث التوقف عندها فضلاً عن مناقشتها . ولكننا نفاجأ عندما تحدث الملمات بأن ابننا كان له أصدقاء يدخنون أو يتعاطون المخدرات ونفاجأ بأن ابنتنا تعرفت عن طريق إحدى صديقاتها على شاب وكذلك الحال بالنسبة لزوج تفاجأ زوجته بأنه قد تزوج عليها فجأة ودون مقدمات حقيقية والزوج يلاحظ السلوك المالي أو التربوي لزوجته يتغير ولا يدري ما السبب حتى يلاحظ بعد فترة أن صديقاتها هن الموجه الحقيقي لتغيراتها السلوكية .
لذلك أرى عن تجربة خضتها وخاضها معي آلاف المبتعثين للدراسة خارج بلادهم أن توحيد مجتمع الأصدقاء العائلي يساهم في حل الكثير من المشكلات الاجتماعية والسلوكية .
وكذلك يوفر الوقت لأسرة في الالتقاء ببعضها في بيتها وخارجه دون الحاجة إلى تنسيق مواعيد مختلفة ترضي أصدقاء كل فرد من أفراد الأسرة . فلقد عشنا سنوات في أمريكا وبريطانيا فرضت طبيعة المدن التي عشنا فيها علينا أن نكون أكثر التصاقاً بالمسلمين الذين جاؤوا مثلنا مغتربين . وقد كيفنا حياتنا معهم من خلال الصداقة العائلية .
فالأب صديق الأب والأم صديقتها زوجته وطلبنا من أبنائنا وبناتنا أن يتخذوا من أبنائهم وبناتهم أصدقاء لهم . وكانت تجربة وكان لهم نتائجها الطيبة ولها بعض سلبياتها . إلا أن المحصلة من هذه التجربة أحادية التوجيه وتوحد العائلة في مجتمع أصدقائها لأطول فترة ممكنة .
إن هذه التجربة لا يمكن أن يفهم منها إلغاء كل صديق لا تنتمي أسرته لصداقة أسرتنا ولا تعني أيضاً أن كل صداقة جديدة نكونها يجب أن تكون أسرية ، لكنه علاج لمشكلات اجتماعية وسلوكية فرضتها القنوات الفضائية والتدفق الإعلامي الصحفي والإذاعي الذي جعل من عملية التوجيه داخل كيان الأسرة أمراً يتطلب مجهوداً كبيراً وعملاً دؤوباً لا يتسع له وقت وتيار الحياة الجارف .
الترابط مع هذا المجتمع :
إن الترابط مع مجتمع الأصدقاء العائلي قائم على التفاهم الأساسي الذي أسس هذه العلاقة ؛ فقد يكون الزوج المكون الأول لهذه العلاقة أو أن تكون الزوجة هي المكونة لهذه العلاقة ، وفي بعض الأحيان قد يكون الأبناء أو البنات السبب في هذه العلاقة الجديدة . وعلى كل حال فأياً كان البادئ في هذه العلاقة فسيجد أن هناك العديد من العقبات أمامه قبل أن يصل إلى توحيد أصدقاء الأسرة مع أسرته .
فأصدقاء الرجل قد يكونون من أصدقاء العمل أو غيرهم ولهم توجيهاتهم السلوكية والفكرية والاجتماعية والتي قد تختلف عن التوجيهات الخاصة بصديقات الزوجة ، أو على الأقل لا تصل إلى نفس درجة الاهتمامات . وهنا تبدأ مرحلة التفاوض على اختيار الأنسب والأقرب إلى الطرفين . فالمسألة ليست متروكة لأحد الزوجين في اختيار صديق زوجه فلا يمكن أن تجعل من زوجه صديقك صديقه لزوجتك دون موافقتها العملية قبل اللفظية . ولذلك تبدأ مسألة التفاوض بين الطرفين على اختيار الأنسب ، وقد تنتهي إلى علاقة صداقة مع أسرة جديدة أو أن تظل العلاقة بين الزوج من هذه الأسرة وتلك فقط .
ومسألة الاختيار تخضع لعوامل كثيرة منها توافق المزاج وعدد أبناء وبنات الطرف الآخر ومدى هدوء أو فوضى أبنائهم وبناتهم ومدى التوافق في الأعمار بين الأبناء والبنات ودخل الأسرة الأخرى ومواقفها من المظاهر الاجتماعية .. إلخ .
فإذا اجتازت الأسرة مرحلة الاختيار وتم الإنفاق بين الزوجين والأبناء والبنات على أن تكون أسرة فلان صديقة لأسرتها يجب تكثيف العلاقة لتؤدي إلى ترابط حقيقي بين الأسرتين . إننا نعني بذلك إيجاد البديل الأنسب للزوج والزوجة والأبناء والبنات من الأصدقاء الآخرين الذين سيفقدون أو على الأقل ستتقلص علاقتهم بهم نتيجة للعلاقة الجديدة .
الاتفاق على الحد الأدنى من الموافقات :
يريد البعض منا أن يكون صديقه نسخة مكررة منه ، يوافقه على آرائه ويسانده في قراراته ، بل ويتفق مزاجه مع مزاج صديقه في اختيار الألوان والفريق الرياضي … إلخ .
ولكن أين هؤلاء الأصدقاء ؟ ثم ما الفائدة منهم إن كانوا مجرد إمعات لنا ؟
إننا نحتاج إلى الصديق ذي المعلومات المختلفة والقدرات الموهوبة والنفسية الأريحية التي تشعرنا أننا مقدمون على نفسه . ولا نزال نفتخر بصداقة صديق بعينه عن باقي الأصدقاء لتوفر بعض المميزات التي ذكرناه فيه .
ولكن مالحل مع باقي الأصدقاء في مجتمع الأصدقاء العائلي ؟
إن الحل – في ظني – أن نقوم بعملية حسابية بسيطة نجمع فيها إيجابيات هذه الأسرة الصديقة وسلبياتها فرداً فرداً بعيداً عن العواطف . ثم نقوم بإعطاء قيم لكل عنصر إيجابي أو سلبي لهذه الأسرة .
بعد ذلك نحسب هذه القيم الإيجابية والسلبية لنخرج بنتيجة أن إيجابيات هذه الأسرة في القيم تعادل كذا وفي الأخلاق تعادل كذا وفي السلوك تعادل كذا وفي المزاج تعادل كذا و … إلخ . وكذلك الحال بالنسبة لسلبياتها .
إن هذه العملية الحسابية التي يقوم الزوج والزوجة بعلمها ستؤدي إلى اكتشاف عناصر محددة في الأسرة الصديقة سلبية أكانت أم إيجابية وبناء عليه يبني القرار التالي : إلى أي حد يمكن أن نتفق معهم وأين يجب أن لا نوافقهم ؟
إن الاتفاق على الحد الأدنى من الموافقات بين الأسرتين سيوفر الكثير من الوقت والجهد في علاج موقف خاطئ أو تصرف كان يجب توقعه من تلك الأسرة أو أحد أفرادها . لا يمكن الظن بأن الاتفاق على الحد الأدنى من الموافقات عبارة عن تنازل عن أسس الصداقة والاحترام المتبادل بل هو معايشة لواقع اخترناه بأنفسنا ولم نجد بديلاً أفضل منه ، كما أنه وسيلة لتقويم أخطائنا والاستفادة من إيجابيات الآخرين في توجيه أبنائنا وبناتنا توجيه غير مباشر . وغني عن الإيضاح أن عدم الاتفاق على الحد الأدنى من الموافقات كقاعدة للانطلاق في صداقتنا يعني أن نبحث في كل مرة نختلف فيها مع أسرة صديقة عن أسرة أخرى ولا يكون هناك استقرار في صداقتنا الأسرية .
المحور الثالث : مجتمع الحارة أو الحي :
يظل اختيار الحي الذي سنقيم فيه هاجساً يؤرقنا ونحن نتدارس كأسرة مكان الإقامة الجديد . فهناك عدة عوامل تحدد اختيارنا لهذا الحي دون ذاك من حيث المواصلات وتوفر الخدمات وقربه أو بعده عن مركز المدينة ، والأهم من ذلك كله بيئة الحي وجيرانه . فمن المعلوم أن جميع مدن العالم في الشرق والغرب تحوي أحياء راقية وأحياء شعبية أو فقيرة ؛ تنتشر في الأولى جميع وسائل الراحة والخدمات والأمن ، ويتكون سكانها من متوسطي الدخل والأغنياء ، بينما تنتشر الجريمة وقلة الخدمات والتكدس السكاني في الأحياء الفقيرة من المدن والتي من غريبها أنها أقرب إلى مركز المدن . بينما الأحياء الراقية في ضواحي المدن وذلك بسبب التوسع الكبير الذي شهدته المدن في العالم بعد الحرب العالمية الثانية .
ونحن في الشرق الإسلامي لسنا ببعيد عما حدث في مدن العالم وإن كانا نختلف عنهم في أن الأحياء العشبية ذات أصالة وعراقة امتدت على مدى التاريخ الحديث . ومفهوم الحارة الاجتماعي يخرج عن المفهوم المعماري الهندسي إلى ترابط اجتماعي بين مجموع سكان الحارة أو الحي والذين يطبعهم قد عاشوا فيها أجيالاً بعد أجيال في نفس الموقع . الأمر الذي جعل المعرفة والالتقاء بين سكانها أكثر من الأحياء الجديدة ذات العمارات الشاهقة أو الفلل الكبيرة . وقد ملئت أدبياتنا عن مجتمع الحارة وأصالته ودوره في الماضي في الحفاظ على الهوية الاجتماعية ومحاربة الفساد الاجتماعي الذي عم نتيجة التأثر بالمستعمر في كثير من بلدان العالم الإسلامي .
وما دام للحارة أو الحي ذلك الدور في الحفاظ على السلوكيات الاجتماعية فلا بد أن يكون له دور في الحفاظ على شبابنا وفتياتنا من البث الفضائي الغربي المباشر . إن التوعية بالخطر والتعريف به أساس في الوقاية منه . وتواجد الناس في بيئة صغيرة يمكنهم من حماية أسرهم بتكاتفهم وتعاونهم . ولنا مثال فيما قام به المسلمون في أمريكا من حملات سلمية تطهيرية لأحيائهم من مروجي المخدرات بعد أن فشلت الحكومة بإمكناتها من مكافحة هذا الخطر المدمر . ويمكن أن يتلخص دور مجتمع الحارة والحي في ثلاث زوايا ؛ المسجد كمركز إلتقائي لأهل الحارة أو الحي . والديوانيات الرجالية كمنطلق توعوي ، والملتقيات النسائية كمحفر دفاعي عن فكرنا وتراثنا .
المسجد كمركز التقائي :
ظل المسجد على مدى التاريخ الإسلامي مركزاً إلتقائياً لأهل الحي منذ مسجد بني عوف في منطقة جبل سلع بالمدينة إلى يومنا هذا . فالصلوات الخمس عبادة لله وجمع للناس يلاحظ فيها إلتقاء على عتبات المساجد بعد كل صلاة . والحوار الذي يدور بعد صلوات العصر والمغرب والعشاء في المسجد على شكل درس أو تدارس لقضية اجتماعية أو أخلاقية ، وكذلك الدروس المقامة في المساجد لتعليم القرآن واللغة والحديث … إلخ ، كلها عبارة عن حوار اجتماعي يتلاقح فيه الرأي والرأيان والثلاثة ، ويستمع فيه أهل الحي لمعلومات وآراء جديدة .
وهذا الدور للمسجد منطلق من الهيبة التي يراها المسلمون لمساجدهم . فالبناء للمسجد من أجود أنواع البناء ، ونظافة المسجد – في غالب بلاد المسلمين – منوطة بأهل الحي قبل وزارات الأوقاف .
كما أن دور الإمام في نظر العامة يزيد عن الدور الديني في إمام المأموم في الصلاة ليصل إلى حل المشكلات الأسرية وجمع التبرعات لفقراء ومساكين وأرامل الحي . وكذلك ينطلق دوره في حل المشكلات التجارية بين أصحاب المحلات وأصحاب العمائر والمستأجرين . ذلك الدور جعل منه قائد رأي في حيه ، وألقى عليه بثقل المحاولة في السعي إلى الكمال في سلوكه وتصرفاته .
هذا الدور للمسجد ولإمامه يزداد رسوخاً برغم توسع الأحياء الجديدة ، والخروج من دائرة الحارة إلى الشوارع والمربعات . فالأحياء الجديدة زاد فيها عدد المسجد عن الحارات القديمة ، وأصبح المسجد مكيفاً ومؤثثاً وذا مكتبة تجمع شتى العلوم . هذا الانتشار يمكن استغلاله لحماية مجتمعاتنا من الانزلاق في مهاوي المشكلات الاجتماعية ؛ كالمخدرات ، والتفكك الأسري ، وبروز الرذيلة ، وذلك بالاهتمام بهذه المساجد وجعلها ملتقىً فاعلاً في كل حي وليست دار صلاة يفر الناس منها بعد سلام الإمام .
إن تعميق فكرة الجلوس في المسجد بعد الصلوات لتبادل الأحاديث والسؤال عن الجيران له إيجابيات ، كما أن الحوار الذي يدور بين المصلين يمكن توجيهه في مكافحة ما يبث عبر القنوات الغربية من أفكار ومشاهد تتعارض مع قيمنا وتراثنا وأخلاقنا . والتركيز على جعل المسجد مركز التقاء يوفر محضناً تربوياً للناشئة على مختلف أعمارهم . فورود الابن المكان الذي يرده أبوه وتعرفهم على جلسائه وتعرفهم على أبنائهم يوجد له صحبة سليمة غير التي يراها متسكعة في الشوارع والمنحنيات .
الديوانية الرجالية كمنطلق توعوي :
الديوانية كلمة مأخوذة من الديوان الموجود في أغلب البيوت القديمة ، والذي يمثل غرفة الاستقبال في المنزل ، والديوانية عبارة عن الموعد الأسبوعي الذي يجتمع فيه مجموعة الأصدقاء وأهل الحي عند فلان من الناس . ولهذه الديوانية أسماء عدة في غير دول الخليج ، فتسمى في الحجاز باسم اليوم الذي تعقد فيه كالإثنينية أو الخميسية … وهكذا ، وهي تشبه تماماً ما كان يعقد في مصر في بداية القرن الميلادي مما كان يسمى بالصالونات الأدبية . إلا أن الفارق بين الاثنين أن الصالونات كانت لعلية القوم وللأدباء والشعراء والمفكرين والسادة ، أما الديوانيات فهي لأهل الحي يلتقون فيها يتسامرون ويتحاورون . وبداياتها من عقود طويلة من الزمن قبل بداية الترفية من خلال وسائل الإعلام كالإذاعة والتلفاز . فلقد كانت الوسيلة الأكثر شعبية للمجتمع الصغير في الحي . كما أنها وسيلة بعيدة عن الشبهات التي كانت تحيط بمرتادي المقاهي في المجتمعات المحافظة التي ترى في الجلوس على المقهى منقصة اجتماعية .
وتلعب الديوانية عدة أدوار في حياة أهل الحارة أو الحي ؛ منها أنها إطار توعوي يتدارس فيه أهل الحي مشكلاتهم ، والأصدقاء اهتماماتهم . كما أن لها ميزة الحوار والمناقشة ، فهي لا تعتمد على الإلقاء للمعلومة من خلال ضيف مبدع بل هو المشاركة من الجميع . كذلك يتضح دورها في الترفيه والتثقيف كبديل لوسائل الإعلام الأخرى . وهذا البديل أكثر إثارة وأعمق أثراً ؛ إذ إن جميع وسائل الإعلام الجماهيرية تعتمد على الإرسال ، ويكون دور المستقبل حين ورود الرسالة الاستقبال فقط . حتى إذا أراد المشاركة في العلمية الاتصالية عليه استخدام الهاتف أو الفاكس أو الرسائل للمشاركة . أما الديوانيات فالإرسال والاستقبال آني بتفاعل الحوار وخلفية المحاورين عن الموضوع . وفي ظني أن قضاء وقت في الحوار والمناقشة يعد بحد ذاته وسيلة ترفيه بديلة عن القنوات الفضائية وغيرها .
الملتقيات النسائية كمحفز دفاعي :
عاطفة المرأة طاقة ربانية تجعل من المرأة قوة دافعة نحو الاتجاه الذي تقرر أن تسير فيه . فالمرأة الفقيرة بعاطفتها تكافح وتعمل في الحقول والبيوت وتعود في الليل لتعمل في بيتها بكل جد ونشاط من أجل قرار اتخذته بأن تعيش أسرتها في مأمن من الجوع . هذه القوة التي لديها منطلقة من قرارها العاطفي الذي يجعل جسدها يتحرك دون ملل أو كلل برغم نصح الأطباء لها بأن العقل والطب يطلبان منها أن تخفف من عملها حتى لا تقع على الأرض فريسة المرض . وكذلك الحال بالنسبة للمرأة خلال حملها وتربية أولادها وجمعها بين البيت والعمل . إنها بذلك تنتقل من مكان إلى مكان ومن عمل إلى عمل لقرارها العاطفي أن تسعد أسرتها .
هذه العاطفة الجياشة وهذه القوة الكامنة يمكننا – ونحن نتحدث عن الحماية الذاتية لمجتمعاتنا المسلمة – أن نوظفها لحماية أجيالنا من خطر البث الفضائي الغربي المباشر . ويكون ذلك بتوعيتها بأخطار وآثار ذلك البث المباشر على أجيالنا التي عهدنا بتربيتهم لها . على أن خطابنا للمرأة يجب أن يجمع بين العقلانية والإثارة ؛ فالعقلانية توضح حجم التدفق الإعلامي وأنواعه وأهم سماته وأضراره . كما أن الإثارة تعني تحفيز المرأة لمكافحة الخطر القادم وإشعارها بأنه خطر يهدد كيانها وكيان أسرتها . وبذلك نكون قد جمعنا بين الحقيقة العلمية لمضمون الخطر واستثمرنا عاطفتها الجياشة في درئه .
وهناك العديد من التجارب العالمية استثمرت فيها عاطفة المرأة في الدفاع عن القضايا الاجتماعية ونجحت هذه المشروعات . مثل مكافحة الإجهاض في أمريكا ، وكذلك – من الغريب – تأييد الإجهاض في أمريكا أيضاً . والمطالبة بالمساواة في الأجور في العمل بين الرجل والمرأة ، كما استثمرت في بناء ألمانيا الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية عندما قتل مئات الألوف من الرجال الألمان ، وكان على المرأة الألمانية أن تلعب دوراً رئيساً في التنمية الألمانية الحديثة .
وفي شرقنا المسلم تكثر المرأة من الزيارات لجيرانها وأصدقائها ، وقد تطورت مجتمعاتنا النسائية من الزيارات الاجتماعية إلى الملتقيات الثقافية التي تقيمها المؤسسات الحكومية ؛ كالمدارس والجامعات والمعاهد ، إلى الملتقيات في الجمعيات الأهلية الخيرية والمتخصصة .
هذه الملتقيات ستكون ركيزتنا الأولى إن فكرنا في التحرك لحماية مجتمعاتنا من خلال المرأة. فهذه الملتقيات تأتيها عامة فئات المجتمع النسائي ، والذي يتميز بالخليط المتناسق وغير المتناسق من حيث المستوى التعليمي والمستوى الاجتماعي والمادي … إلخ .
وبطبيعة اللقاءات فالحاضرات مستعدات نفسياً وذهنياً لتلقي المعلومة ، والأمر الذي يسهل مهمة الملقية ، فالتهيئة النفسية لتلقي المعلومة أساس في فهمها واستيعابها . ولذلك فعلينا تفعيل هذه الجمعيات والمؤسسات النسائية للقيام بدور توعوي يشكل درعاً من أهم دورعنا في الحفاظ على هويتنا وتراثنا .
الخاتمة:
استعرضنا في دراستنا أهم العناصر الممكنة لأداء دور اجتماعي للحفاظ على هويتنا وثقافتنا من خطر متوقع حدوثه خلال السنوات القادمة ألا وهو البث التلفازي المباشر باللغات المحلية لدول العالم الثالث . هذا الخطر يمكن تلخيصه في التالي:
-إحلال ثقافات وأفكار غربية بدلا من الثقافات الإسلامية والعربية.
-تقديم نماذج سلوكية غربية لاتتناسب مع بيئتنا الاسلامية في الفن والأدب والثقافة.
-التحكم في تقديم الأخبار وأنواعها والمناطق المحددة التي يراد التركيز عليها والإغفال المتعمد لمناطق أخرى وصياغة الأخبار بما يتناسب مع الخلفيات السياسية والفكرية للدول الغربية .
– الإدمان عل مشاهدة التلفاز كمرض اجتماعي يضر بالأسرة من داخلها ويحول اللقاء الأسري الى واجهة تخفي تحتها الكثير من الجفاف العاطفي والاجتماعي .
– استخدام الحلول المبثوثة للمشكلات الاجتماعية بديلا عن الحلول المعروفة في مجتمعاتنا المحفظة .
وقد خلصت الدراسة الى إمكانية استخدام مجموعة من الحلول العملية على المستوى الوطني في كل دولة والمستوى المهني للكتاب والأدباء المفكرين وأساتذة الجامعات والمراحل التعليمية الأخرى و هذه الحلول تتلخص في دور النخبة في التفعيل الإعلامي الدارس والمؤكد على السياسات الإعلامية للدول الإسلامية والمساهمة الفاعلة في برامج التلفزيون المحلية بهدف إثرائها و تحسينها .واستخدام جميع الوسائل الإعلامية مع تفعيل للضغط الاجتماعي من خلال وجوه الناس في تعريف مجتمعاتنا بخطر البث الغربي المباشر باللغات المحلية. كذلك ركزت الدراسة على أهمية الحماية الذاتية لمجتمعاتنا الصغيرة ؛ بداية بالنواة الأولى للمجتمع (الأسرة) ومرورا بمجتمع الأصدقاء وحتى مجتمع الحارة أو الحي .
[1] أحمد بن يوسف , السياسي ..مفاهيم ومواقف, المؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث, 1990, ص 7.
[2] أنظر الغزو الفكري والتيلرلت المعادية للإسلام ,المجلس العلمي , جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية , 1984, ص 8.
[3] انظر – Jennings Bryant and Dolf Zillman (ed.) , Media Efficts Advances in theory and Research , Lawrence Erlbaum Associates Inc , Hillsdale, NewJersey, USA, 1994.
[4] أنظر أقمار الفضاء غزو جديد، د. محمد عبده يماني، جهاز تلفزيون الخليج، الرياض، السعودية، 1404هـ .
[5] ( السياسة الاعلامية هي الاطار العام الرسمي الذي يحدد أهداف الاعلام في المملكة ويضع الخطوط لمساره والمعالم لحدوده ) السياسة الاعلامية في المملكة العربية السعودية ,وزارة الاعلام ,1402, ص5
[6] مرجع سلبق , [6] د. محمد عبده يماني، أقمار الفضاء غزو جديد،
[7] أنظر الغزو الفكري , الشيخ أحمد بشير رئيس جمعية اقامة الاسلام بمدينة مراوي , الفلبين , من أبحاث مؤتمر الفقة الإسلامي بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية المنشورة في كتاب الغزو الفكري والتيلرلت المعادية للإسلام ,المجلس العلمي , جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية , 1984.
[8] (كتاب اليونسكو الإحصائي السنوي ).
– UNESCO Statistic Year Book, UNESCO, Paris, France,.
[9] ساهمت الصحف السعودية مع التلفزيون السعودي في حملة منظمة لمكافحة السفر للجنس لمدة عامين خلال بدية التسعينات ونجحت في تكوين رأي عام يعارض السفر الى بانكوك وأدى ذلك الى منع التأشيرات الى تايلاند واستحداث منع سفر الشباب أقل من 21 سته الى الخارج الا بموافقة والديهم.
[10] أنظر د. مصطفى المصمودي النظام الإعلامي الجديد، عالم المعرفة، الكويت، 1406هـ .
[11] أنظر كتب د. سيد ساداتي ويحي بسيوني كنموذج لتحجيم الاعلام الاسلامي في البرامج الدينية فقط.
[12] أنظر تخلفنا الحضاري في مجال التعليم والإعلام والقضايا الاجتماعية ودوره في تشكيل فهمنا للواقع الاعلامي , د. خالد علي أبو الخير,بحث غير منشور.
[13] من الكتب المفيدة في هذا المجال كتاب العلاقات العامة وطبيعة الرأي العام . د. محمد البادي , دار الشروق , القاهرة, 1984.
[14] أنظر الأثار النفسية والاجتماعية للتلفزيون العربي . د. عبد الرحمن عيسوي . دار النهضة العربية , بيروت, 1984.