Madina Documentary Films

الاستراتيجيات الغربية في توظيف ثقافات دول العالم الثالث

جميع الأبحاث والكتب التي كتبتها برجى مراعاة عند قرائتها السنة التي كتبت فيها لأنها تعتمد على الكتب والأحداث والواقع الذي كان موجودا سنة كتابتها

بحث الاستراتيجيات الغربية في توظيف ثقافات دول العالم الثالث من انتاج د خالد علي أبو الخير نشر في مجلة بحوث ودراسات المدينة المنورة العدد 18 تاريخ شهر رجب 1427 الموافق اغسطس 2006

مجلة المركز: العدد (18) - مركز بحوث و دراسات المدينة المنورة

الاستراتيجيات الغربية في توظيف ثقافات دول العالم الثالث

مقدمة :

إن وسائل الإعلام عبارة عن آلات ومعدات وأدوات وأوراق وأصوات لا تخرج عن ذلك أبداً ، لكن تتميز هذه الوسائل بأنها محسنات وموصلات لما يدخل فيها من أفكار وكتابات ؛ فاستخدام الحركة في الصورة واستخدام الألوان في المجلة والصحيفة واستخدام الهاي فاي والدجتال لتحسين الصوت ، كل ذلك عبارة عن محسنات يمكن أن تستخدم لتدعيم برنامج أو مجلة دينية بنفس القدر الذي يمكن أن تستخدم لتدعيم برنامج راقص أو برنامج سياسي أو فلم درامي . ولذا حرص صاحب كل فكر يريد استخدام وسائل الإعلام أن يبحث عن كل جديد في عالم هذه الوسائل الواسع كيما يجذب أكبر قدر من الجمهور لمشاهدة فلمه أو برنامجه أو قراءة كتابه أو صحيفته . وتسارعت الشركات العالمية المصنعة لهذه الوسائل في إخراج كل جديد حتى أصبح يحول الحول على جهاز الفيديو أو التلفاز أو الراديو وقد أنتج أحدث منه بمراحل خلال ذلك العام فقط .

وحرصت الدول التي تعمل هذه الشركات العالمية المصنعة لوسائل الإعلام فيها أن تكون لها يد في توجيه صناعة هذه الوسائل وتوزيعها على دول العالم بشكل عام ودول العالم الثالث بشكل خاص . فالإعلام أصبح اليوم مع الاقتصاد وتجارة بيع الأسلحة أحد أهم الأعمدة التي تقوم عليها علاقات الشمال بدوله الغربية مع علاقات الشرق الأسيوي والجنوب الإفريقي .

وفي هذه الدراسة سنحاول كشف أهم الاستراتيجيات التي استخدمتها الدول الغربية في توظيف ثقافات دول العالم الثالث بشكل عام ودول الشرق المسلم بشكل خاص.

أسباب اختيار الموضوع :

يلعب الإعلام دوراً كبيراً في نقل الثقافات والأخبار بين شعوب العالم من خلال أشكال برامجية أو مقالات صحفية أو مؤلفات مترجمة ، ومن المفترض أن تكون حركة النقل الثقافي متوازنة بين الأمم حتى لا تطغى ثقافة على ثقافة وحتى تحافظ الأمم على موروثاتها الحضارية والفكرية والأخلاقية ، إلاّ أن الواقع يكذب هذه المعادلة المتساوية . فالمساحات الإعلامية في حركة النقل الثقافي لا توزع بل تأخذ بحسب القناعة والقدرة والرغبة في نشر الثقافة لمجموعات دولية (كدول الغرب مثلاً) يقابلها عدم القناعة وعدم القدرة وكذلك عدم الرغبة في نشر الثقافة لمجموعات دولية أخرى (كدول العالم الثالث مثلاً) .

هذه القناعة بسمو الثقافة التي تملكها هذه الدول مع القدرة على امتلاك الوسائل الإعلامية الخاصة بنقل الثقافة وتسويقها مع وجود الرغبة أصلاً في نقل حضارة وثقافة هذه الدول إلى دول أخرى أوجدت سيلاً من قنوات الانفتاح على هذه المجتمعات ، وبات المواطن في دول الاستقبال متسقاً في تركيبته الثقافية مع الثقافة المستقبلة ، ولم يعد الخلط بين الثقافتين الموروثة والمستقبلة أمراً يشغل باله بل أصبح السؤال أيهم يلبس في هذا الموقف وأيهم يخلع في ذاك الموقف .

إذا وصل مواطن دول الاستقبال إلى هذه الحالة من التساؤل يكون الإعلام المرسل قد حقق نتائجه في توظيف ثقافته لتغيير عادات وسلوكيات مجتمعات أخرى إلى عادات وسلوكيات المجتمعات المرسلة .

لكن هل هي بهذه البساطة تحويل ثقافات أمم إلى ثقافات أخرى بعيدة عنها آلاف الأميال دون استعمار عسكري أو فرض سياسي ؟ ، وهل المسألة أشهر عديدة أم عقود من السنوات ؟ ، ثمّ إن كان الأمر كذلك فما هو الحل ؟ .

هذه بعض أهم الأسئلة التي ستحاول هذه الدراسة الإجابة عليها والتي كانت سبباً في اختيار هذا الموضوع ، فالإعلام أصبح لاعباً أكبر في لعبة توظيف الثقافات بعد أن كان الاستعمار العسكري في القرن الماضي وبداية القرن اللاعب الأكبر (مثال الجزائر) وكذلك كان الدور للانقياد السياسي لإحدى الكتلتين الشرقية والغربية بعد الحرب العالمية الثانية الدور الأكبر في فرض ثقافة إحدى الكتلتين على شعوب دول العالم الثالث ؛ ولما خلت الساحة من العاملين السابقين إلى حد كبير حُمِّل المواطن العادي الدور الأكبر في استقبال الوافد الثقافي ، وصار السؤال من سيوظف من لصالحه :

الثقافة الوافدة توظف المواطن لصالح ثقافتها أم أن المواطن يوظف الثقافة الوافدة لتغيير تخلفات اجتماعية وثقافية موجودة في موطنه .

وسيصبح الخطر أكبر عندما تبدأ محطات التلفزيونات الغربية في بث قنوات فضائية موجة باللغات المحلية لدول العالم الثالث كما فعلت هذه الدول من قبل عندما بثت الاذاعات الموجهة باللغات المحلية كإذاعة بي بي سي (لندن) وصوت أمريكا ومونت كارلو .

وسيحاول الباحث من خلال هذه الدراسة استيضاح الإستراتيجيات الغربية في إحكام القبضة على وسائل الإعلام في دول العالم الثالث . فالباحث يرى أن تناول مثل هذه الموضوعات الإستشرافية أمراً ذا أهمية لمستقبل دولنا وأن مثل هذه الدراسات ستنبه المسئولين عن الإعلام في دول العالم الثالث إلى أن الخطر سيكون أكبر من مجرد أغنية أو رقصة خليعة فالأمر غرس ثقافة وفكر وتغيير عادات وسلوك اجتماعي لمجتمعات بأكملها . ودور التلفزيون وتأثيره فاق الوسائل الإعلامية الأخرى في تغيير العادات والسلوك .

مشكلة الدارسة :

تتحدد مشكلة الدراسة في مجموعة من الفرضيات يعتقد الباحث أن الدراسة ستثبتها أو تنفيها وهي :

  • تفترض الدراسة أن هناك إستراتيجيات عامة تتفق عليها الدول الغربية المتقدمة تكنولوجياً في التحكم في نشر تكنولوجيا وسائل الإعلام إلى دول العالم الثالث .
  • تفترض الدراسة أن الشركات المالكة للأقمار الصناعية أو الوكالات الحكومية التي لديها صواريخ إطلاق الأقمار الصناعية لديها سياسات خاصة في التعامل مع دول العالم الثالث . وأن مبدأ توفر المال اللازم لايؤدي بالضرورة إلى تملك هذه الدولة أو تلك (من دول العالم الثالث) قمراً صناعياً أو السماح لها بإطلاقه على صواريخ إحدى الدول المالكة لمنصات إطلاق الصواريخ .
  • – تفترض الدراسة أن سياسة وكالات الأنباء العالمية في بث الأخبار إلى الصحف والإذاعات والتلفزيونات في دول العالم الثالث بكم هائل وبسعر لايمكن منافسته يهدف إلى إضعاف وكالات الأنباء المحلية في دول العالم الثالث واحتكار سوق نقل الأخبار .
  • تفترض الدراسة أن اعتماد الفلم الأمريكي على السوق المحلي الأمريكي في الحصول على الربحية ساعد في نشر الفلم الأمريكي في جميع دول العالم بسعر رخيص لا يمكن منافسته . واستطاع بذلك الحصول على نصيب الأسد في معظم تلفزيونات العالم ودول العالم الثالث على وجه الخصوص .
  • تفترض الدراسة أن القنوات الفضائية الغربية الموجهة باللغات الغربية لم تنجح في استقطاب المشاهد العادي في دول العالم الثالث لوجود عاملين ، الأول اختلاف اللغة والثاني وجود قنوات فضائية إقليمية ناطقة باللغات المحلية لدول العالم الثالث .
  • تفترض الدراسة أن الدراسات الأولية التي أجرتها الدول الغربية لبث قنوات فضائية غربية باللغات المحلية لدول العالم الثالث والتي أكدت نجاح هذه القنوات وتفوقها على القنوات المحلية ، دراسات منطقية ومبنية على خبرة سابقة في مجال الإذاعات الموجهة باللغات المحلية .

الأسئلة البحثية التي تهدف الدراسة إلى الإجابة عنها :

يمكن استخلاص مجموعة من الأسئلة البحثية من الإفتراضات الي أسلفناها وهي :

  • هل هناك إستراتيجيات غربية في التحكم في بيع ونشر التكنولوجيا لدول العالم الثالث.
  • هل هناك تحكم في توزيع موجات البث الإذاعي بين الدول الغربية ودول العالم الثالث.
  • من يمتلك الأقمار الصناعية ، وهل يتحكم في بيعها أم أنها متروكة للعرض والطلب .
  • كيف يتم استئجار القنوات الفضائية ، وهل يرفض طلب تأجير لأسباب سياسية أو دينية أو غيرها .
  • كيف أصبح العالم يعتمد على عدد محدود من وكالات الأنباء العالمية (الغربية) وكيف أثر ذلك سلباً على وكالات الأنباء المحلية .
  • ماهي السياسات التي اتبعتها شركات إنتاج الأفلام الأمريكية في تسويق الفلم الأمريكي محلياً وعالمياً
  • لماذا ترجمت شركات أفلام الكرتون أفلامها إلى اللغات الأخرى خلال العقد الماضي بعد أن كانت تباع باللغة الإنجليزية .
  • ماهي الأهداف المعلنة للقنوات الفضائية الغربية الموجهة لدول العالم الثالث بلغات الدول المرسلة .
  • ماهي الأهداف المعلنة للقنوات الفضائية الغربية الموجهة لدول العالم الثالث باللغات المحلية .
  • لماذا تحرص الدول الغربية على توسيع نطاق بثها الإذاعي في دول العالم الثالث .

منهج الدراسة :

هذه الدراسة قائمة على المنهج الاستقرائي والذي يعتمد على مراجعة مجموعة الوثائق والمؤلفات في مجال أنظمة التحكم في نشر التكنولوجيا الإعلامية من الدول الغربية لدول العالم الثالث وكذلك مراجعة أساليب نشر الفلم الأمريكي والدراسات الخاصة بتأثير الإذاعات الغربية الموجهة لدول العالم الثالث كما ستذكر الدراسة مجموعة الآراء التي تؤكد نجاح البث الفضائي الغربي المباشر باللغات المحلية لدول العالم الثالث .

كل ذلك سيكون منهج الباحث في استقراء الاستخدام الإعلامي الغرببي لوسائل الإعلام خلال العقود الماضية . مما سيعني بالضرورة الحديث عن التطور التاريخي لبعض هذه الوسائل الإعلامية أو التطور التاريخي لاستخدام الإستراتيجيات بهدف الاستعراض التاريخي.

ثم سيقوم الباحث باستخدام المنهج الاستقرائي في الوصول إلى تأكيد فرضيات الدراسة أو نفيها بعد تحليل النتائج .

الدراسات السابقة :

هناك العديد من الدراسات التي تطرقت إلى أجزاء من عنوان البحث من منطلقات مختلفة إعلامية ، وسياسية ودينية . ولكن على حد علم الباحث لم يتطرق أحد من حيث المجموع الاعلامي السياسي الديني معاً . كما أن هذه الدراسة ستركز على استخدام الماضي في استشراف المستقبل المتوقع للاعلام الغربي في دول العالم الثالث . وهذه ميزة إضافية لهذه الدراسة لم يجدها الباحث في غيرها من الدراسات على حد علمه .

 اطلع الباحث على العديد من الدراسات التي تطرقت إلى جوانب من هذه الدراسة وسيقوم الباحث باستعراض الدراسات الواردة في الموضوع ويوضح الفارق بينها وبين هذه الدراسة من حيث الاتفاق والاختلاف :

  1. قضايا التبعية الإعلامية والثقافية في دول العالم الثالث[1] :

دراسة تحدثت فيها د. عواطف عبد الرحمن عن الخريطة الإعلامية في دول العالم الثالث ومدرسة التبعية الإقتصادية والإعلامية والثقافية في تلك الدول . كما درست تطبيقات التبعية على الصحافة العربية والإفريقية وآفاق الاستقلال الإعلامي في دول العالم الثالث في ظل النظام الإعلامي العالمي الجديد .

والدراسة في نظر الباحث عالجت كثيراً من جوانب العلاقة بين الشمال والممثل فيه دول الغرب والجنوب والذي يحوي دول العالم الثالث وقد ركزت الدراسة على الصحافة وأبدعت في تصور علاقة الارتباط بين الإعلام الغربي والإعلام النامي في دول العالم الثالث خصوصاً في المجال الصحفي . والدراسة تعود إلى عام 1404 .

وستركز دراسة الباحث على الإستراتيجيات العامة لجميع وسائل الإعلام وليس الصحافة فقط كما أن الباحث سيحدث بعض المعلومات التي وردت في هذه الدراسة .

  • KNOWLEDGE TRANSFER[2]

هذه الدراسات التي ضمها عنوان مؤتمر [نقل المعرفة] والذي عقد في صيف 1996 في لندن والذي تضمن 82 بحثا في المجالات التالية:

LOGIC CHAOS& LNFORMATION

CYBERNETICS

EDUCATION

ENGINEERING

INTER DISCIPLINARITY

INFORMATION TECHNOLOGY

MANAGEMENT

MULTI-MEDIA

SOCIETY MEDIA

VISUALICATION & GRAPHICS

وسيفيد الباحث من حداثة المعلومات في الأبحاث المقدمة خصوصاً المتعلقة بالإعلام والمجتمع وتكنولوجيا المعلومات . علماً بأن هذه الدراسات في مجملها تتحدث عن دول بعينها وليس عن دول العالم الثالث أو الدول الغربية بشكل عام .

3-MEDIA EFFECTS-ADVANCEC IN THEORY  AND RESEARCH [3]

هذه مجموعة مكونة من 16 بحث ضمَّنها عنوان تأثير الإعلام وتتحدث مجمل هذه الدراسات عن الآثار الإيجابية والسلبية للتلفزيون ووسائل الإتصال الجماهيري الأخرى على المجتمع بشكل عام والأفراد والأطفال بشكل خاص . وقد ركزت الدراسات على تأثير الإعلام الترفيهي والصحي والإجتماعي [من حيث الجريمة والعنف] وكذلك التعليمي.

الأبحاث وإن ركزت على الولايات المتحدة الأمريكية فإن مخرجاتها يمكن أن تفيد الباحث في مجموعة من مباحث الدراسة خصوصاً وأنها تعتبر من الدراسات الحديثة 1994 .

4THE INTERNATIONAL WORLD OF ELECTRONIC MEDIA-[4]

هذه الدراسة بعنوان [ العالمية في الإعلام الإكتروني ] . وهي عبارة عن ثلاثة عشر بحثاً حول اثني عشرة دولة هم :

الولايات المتحدة ، البرازيل ، المملكة المتحدة ، المانيا ، جمهورية سلوفاكيا وجمهورية التشيك ، روسيا ، السعودية ، نيجريا ، الهند ، الصين ، اليابان ، واستراليا .

وقد استعرض الباحثين تطور أجهزة الإعلام في هذه الدول والمعوقات التي صادفت تطور هذه التكنولوجيا في هذه الدول .

والدراسة حديثة 1995 وتعتبر قيمه للباحث في استعراض التطور التاريخي لهذه الوسائل الإعلامية وأهم السياسات التي وضعت لتلك والوسائل في كل دولة .

5- CULTURE, MEDIA, LANGUAGE[5]

هذه الدراسة بعنوان الثقافة ، الإعلام ، اللغة عبارة عن عشرون بحثاً تحدثت عن دراسات في :

ETHNOGRAPHY

MEDIA CTUDIES

LANGUAGE

ENGLISH STUDIES

  ويهم الباحث ماورد في الفصل الثاني في هذه الدراسة وهو دراسات إعلامية حيث قدمت فيه ست أبحاث تتحدث عن دراسات في الإعلام والرسالة الإتصالية والتشفير ودور الأخبار في الإتصال الإجتماعي .

والدراسة تعود إلى عام 1992 وسيفيد الباحث منها في الأطر النظرية المستخدمة في بريطانيا لهذه العناويين ومدى استخدامها في التأثير الإعلامي الغربي على دول العالم الثالث.

6- TO BE CONTINUED…SOAP OPERAS AROUND THE WORLD[6]

هذه الدراسة [ستكمل لاحقاً … المسلسلات التلفزيونية حول العالم] عبارة عن ثمانية عشر بحثاً في المسلسلات التلفزيونية في دول العالم . وقد تطرق الباحثون إلى نشأة المسلسلات التلفزيونية وأثارها على المشاهدين الإجتماعية والأخلاقية والسلوكية والحضارية في الدراسات الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية . كما تطرقت الدراسات الأخرى في أمريكا اللاتينية إلى تحول القصص إلى أعمال درامية تلفازية واستخدام المسلسلات في تصوير الماضي في تلك الدول . ودراستان عن المسلسلات في الصين وروسيا ودراسة مهمة عن تأثير المسلسل الديني الهندوسي MAHABHARATA على عائلة هندوسية تعيش في غرب لندن .

وهذه الدراسات سيفيد الباحث منها من آلية تحويل الأفكار إلى قصص ثم إلى مسلسلات في دول الغرب وكيف نجحت بعض المسلسلات وظلت تعرض على مدى عقود من الزمن بشكل أسبوعي منتظم . كما سيفيد الباحث من الدراسة الأخيرة في تحويل الفكر الديني إلى مسلسل درامي ومدى نجاح الفكر الديني الغير مسلم في إقناع المشاهد بمعتقداته .

7- النظام الإعلامي الجديد:[7]

        دراسة بذل فيها مؤلفها خلاصة ثقافته وعمره في الدفاع عن حق دول العالم الثالث عالمياً في مساحة عادلة في الإعلام . فقد استعرض الباحث المفاهيم المختلفة للنظام الإعلامي العالمي من وجهة نظر دول عدم الانحياز والمجتمعات الغربية والمجتمعات الاشتراكية وموقف المنظمات الدولية من وجهات النظر المختلفة . ثم تطرق الباحث إلى أبعاد هذا النظام العالمي الجديد من الناحية القانونية والاقتصادية والتقنية والتربوية والثقافية والاجتماعية . وأخيراً ذكر الباحث أبعاد النظام العربي للإعلام وصور في ذلك الأبعاد الإقليمية وإمكانية الإفادة منها في الحفاظ على الهوية العربية .

وبالرغم من أن الكتاب صدر عام 1985 إلا أن الباحث سيفيد من تجربة د. المصمودي في إيضاح الهوه بين الإعلام الغربي والإعلام في دول العالم الثالث كما سيفيد الباحث من مجموعة القرارت التي تم إصدارها من قبل منظمة دول عدم الانحياز في السبعينات من هذا القرن الميلادي والتي حدد بوضوح التفاوت النوعي والكمي بين وسائل الإعلام في الغرب وباقي دول العالم . كما سيقوم بتحديث الإحصاءات والقرارات التي وردت في هذه الدراسة من الفترة 1985 وحتى الآن .

8- أقمار الفضاء: غزو جديد[8]

        غزو جديد وهذا المرجع من أفضل المراجع في موضوع الباحث فهو رغم عودة تاريخه إلى 1984 وقلة عدد صفحاته إلا أنه من حيث المضمون دراسة استشرافية في وقتها لم يدرك الأفراد ولا الحكومات المعاني الخطيرة التي نبه لها المؤلف في ذلك التاريخ . فقد تحدث عن شئ لم يقع ولم يدرك الناس خطره بالرغم من أن د. يماني أوضح بجلاء حجم الخطر وقد كان من أكثر الناس خبرة في ذلك المجال ، فقد كان وزيراً للإعلام . وسيفيد الباحث من المنهجية التي وضح بها الكاتب حجم الخطر القادم في إيضاح حجم خطر القنوات الغربية الفضائية الناطقة باللغات المحلية في دول العالم الثالث عندما تبدأ في بثها لهذه الدول . 

حدود الدراسة :

     سوف تركز هذه الدراسة على دور الإعلام في توظيف الثقافات وخصوصاً في العالم العربي والحلول المقترحة لحماية المجتمعات من خطر التوظيف الثقافي .

الاستراتيجيات الغربية في إحكام القبضة على وسائل الإعلام وبالتالي توظيف الثقافات في دولنا :

هناك مجموعة من الاستراتيجيات وضعت على فترات زمنية مختلفة وبعضها وجد من خلال مؤسسات دولية تابعة للأمم المتحدة وبعضها من خلال منظمات إقليمية أوربية غربية وأوربية شرقية ، كما أن هناك استراتيجيات وضعت من خلال مؤسسات إعلامية عالمية خاصة كوكالات الأنباء ومحطات البث التلفازية العالمية ومحطات الإذاعة العالمية الموجهة ، بالإضافة إلى ذلك هناك سياسات وضعت من قبل دول محددة تمتلك عناصر تكنولوجية لا يملكها غيرها وتقوم بوضع ما يناسبها من سياسات .

1- التحكم في موجات البث الإذاعي من خلال المنظمات الدولية :

عندما صرح الرئيس الأمريكي بوش بعد حرب تحرير الكويت وخلال حملاته الإنتخابية أن هناك نظام عالمي جديد ستسري قوانينه على الدول ظن الناس أن العالم سيمر بمرحلة جديدة تماماً ليس لها أي علاقة بماضي الغرب وتعامله مع دول العالم الثالث ، لكن الزمن لم يمهل الرئيس بوش فلقد تكشفت الحقائق أن ما أطلق عليه نظام عالمي جديد إنما هو مرحلة نتجت عن مراحل سابقة وأنها جزء من خطة طويلة في استخدام العباءة الدولية في بسط النفوذ السياسي على الدول الأضعف . فلقد استُخدمت الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة في جميع الفنون والعلوم للمساهمة في هذا الدور فكما استخدم مجلس الأمن في فرض الشرعية الدولية لدولة إسرائيل من خلال الفيتو الأمريكي لكل قرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي تدين اسرائيل . استخدمت منظمة اليونسكوم لفرض الهيمنة على العراق ومنظمة الصليب الأحمر الدولي لتمرير جرائم النصارى ضد المسلمين في البوسنة والهرسك والسودان ولبنان وكذلك الحال بالنسبة للبنك الدولي الذي أسهم في سياسة إغناء الشمال وإفقار الجنوب من خلال قروضه المستحيلة السداد ومؤتمرات الأمم المتحدة للمرأة والطفولة شاهد على الحلول اللامعقولة لمشكلات دول العالم الثالث .

والإتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية نموذج لهذه الإستراتيجيات . فالاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية عبارة عن وريث لاتحاد التلغراف الدولي والذي وجد عام 1865 عندما اجتمع مندوبون من عشرين دولة في باريس وأنشأوا هذا الاتحاد لتنظيم وتحسين خدمة التلغراف بين دولهم . وفي عام 1934 أطلق عليه اسم الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية بعد اتفاق مدريد عام 1932 . وفي عام 1947 تم إبرام اتفاق بين هذا الاتحاد والأمم المتحدة ليكون واحداً من وكالاتها [9].

وبرغم أهداف الاتحاد الجيدة في تقديم الخبرات وتحسين الأداء للعاملين في مجال الراديو والهاتف والتلغراف ومحاولة خفض أجور الاتصالات إلى أقل حد إلا أنه أصبح أداة استراتيجية في يد الدول الأكثر تقدماً في مجال الاتصالات فإن الإتحاد يملك الحق من خلال المادة [33] من دستور الإتحاد في تنظيم استخدام الطيف المغنطيسي واختيار موجات الراديو في كل دولة باعتبارها مصادر دولية طبيعية محدودة . وقد تم تقسيم العالم من خلال الإتحاد إلى ثلاث أقسام .

أ‌-                 أوربا وأفريقيا
  • أمريكا الشمالية والجنوبية

ج-    آسيا

وعلى جميع الدول تسجيل موجاتها المستخدمة لدى الإدارة الدولية لتسجيل الموجات الكهرمغنطيسية[ IFRB]والتي تغير اسمها عام [1992] إلى الإدارة التنظيمية للراديوRRB   ويبلغ عدد الدول الأعضاء في الإتحاد [189] دولة وعدد الهيئات والشركات [600] شركة وذلك حتى نهاية [1999] .

 ولقد أدرك رؤساء دول عدم الانحياز في مؤتمر 1973 ظاهرة انعدام التوازن في ميدان الاتصالات[10] ، فالدول الصناعية تضخ كمّاً إعلامياً كبير مقارناً بما تبثه الدول النامية . حتى إن إحدى توصيات ذلك المؤتمر ((أن من واجب بلدان عدم الانحياز تغيير الوضع المنحاز وتحرير الإعلام ووضع تصور بنظام إعلامي عالمي جديد))[11] . وفي عام 1976 أقر مؤتمر نيروبي لدول عدم الانحياز برنامجاً يخفض حجم الفارق بين الإعلام النامي والإعلام الموجهة من دول الغرب . ثم توالت المؤتمرات واللجان في أروقة الأمم المتحدة بين دول تسيطر على التكنولوجيا وتملك رأس المال ودول مستهلكة للفكر والتكنولوجيا وليس لها قدرات مالية كافية .

وانتصر الضعفاء في مؤتمر اليونسكو العشرين عام 1978 ، حيث أقر المؤتمر بعض المبادئ الأساسية التي تخدم قضايا دول العالم الثالث . وقد أدى ذلك إلى أن تغادر الولايات المتحدة الامريكية اليونسكو مدعية أن هذه المنظمة شديدة التعاطف مع دول العالم الثالث ، وامتنعت عن دفع حصصها المالية .

بهذا المنطق يتفاهم معنا الكبار عند المطالبة بأدنى حق من حقوقنا ، مع أن دول العالم الثالث لم تطالب سوى بتخفيض الفارق الكبير بين ما تبثه دول الشمال مقابل ما تبثه دول الجنوب .

يقول د.المصمودي[12] : (( هناك عدم مساواة في توزيع طيف الذبذبات الإذاعية بين البلاد المتقدمة والنامية، فالأولى تسيطر على حوالي 90% من أصل الطيف بينما لا تمتلك البلدان النامية الوسائل التي تحميها من الإذاعات الأجنبية ، وكثيراً ما يصعب عليها أن تنافسها)) . ((والبلاد النامية ، وإن كانت تغطي مساحة أوسع امتداداً إلا أنها تملك قنوات أقل مما تملكه البلاد المتقدمة . أما كثافة الطاقة لكل كيلو متر مربع فهي أقل بمقدار أربع مرات في البلاد النامية منها في البلاد المتقدمة)).

صحيح أن عدد دول العالم الثالث أكثر وشعوبها مقارنة بدول الشمال أكبر عدداً ولكنها في مجال الإتصالات متخلفة عن دول الشمال بمراحل . فإذا علمنا من إحصاءات اليونسكو[13] أن الدول النامية يبلغ عدد سكانها [4,462,606,000] عام 1995 في حين يبلغ عدد سكان الدول المتقدمة [1,224,568,000] في نفس العام فلنا أن نتصور حجم الفارق الكبير في التعامل مع تكنولوجيا الإتصالات من خلال هذه الأرقام .

يبلغ عدد أجهزة الراديو المستخدمة في إستقبال البث الإذاعي سواء كانت منزليه أو في السيارة أو في الأماكن العامة عام 1997 [1124000000] جهاز يملك [245] من كل ألف شخص جهازاً واحد. أي بمعدل 24,5% من سكان دول العالم الثالث يتعرضون للبث الإذاعي ويمتلكون أجهزة استقباله .

في حين وصل عدد أجهزة إستقبال البث الإذاعي في الدول الغربية في نفس العام [1308000000] جهاز بمعدل [1061] جهاز لكل ألف شخص أو بعبارة أخرى 100% من سكان هذه الدول يمتلكون أجهزة استقبال للبث الإذاعي .

وكذلك الحال في البث التلفازي حيث وصل تعداد أجهزة استقبال البث التلفازي في دول العالم الثالث [720000000] جهاز يمتلك [157] شخص من كل ألف جهاز بمعدل [15,7%] من مجموع السكان في حين يوجد [675000000] جهاز استقبال البث التلفزيوني في الدول المتقدمة يمتلك [548] شخص من كل ألف جهاز استقبال أي بمعدل [55%] من السكان يمكنهم استقبال البث التلفازي .

هذه الأرقام توضح حجم المأساة بين دول تملك التكنولوجيا وتسخرها لخدمة مصالحها وبين دول تستهلك بعسر تكنولوجيا وفكر غيرها . إن هذه الأرقام يمكن أن تتضح مأساتها إذا علمنا أن الدول العربية لوحدها يمتلك فيها [26,9%] من السكان أجهزة استقبال البث الإذاعي بالرغم من ثورة الترنزستور وانخفاض أسعار هذه الأجهزة . ولك أن تتصور المأساة من جهتين الاولى أن دول العالم الثالث هذه لا تمتلك إلا [10%] من مساحة المجال الكهرومغنطيسي الذي يمكنها من بث إذاعي واضح ويصل إلى المساحة الجغرافية التي تريد . والثانية أنها في المساحة الصغيرة المسموح لها التحرك فيها لم تستثمرها إلا بمعدل [24,5%] وهم السكان الذين يملكون أجهزة استقبال البث .

2) التحكم في نشر (بيع) التكنولوجيا لدول العالم الثالث :

لم يعد سراً أن تعلن دول الشمال حرباً تكنولوجية على دول العالم الثالث ، فالسيطرة على اقتصاد دول العالم الثالث تصبح سهلة إن كانت جميع الآلات Made in U.S.A  أو Made in Europ فهي بذلك تكتسب مجموعة من المحصلات السياسية والإعلامية والاقتصادية.  فبيع دولة معينة نوع معين من الآلات أو الأجهزة أو المعدات ينبني عليه اتفاقات تابعة تجعل من الدولة المشترية دولة مقادة للدولة البائعة . فشروط الاستخدام وأنواعه وأحجامه كلها أصبحت تحدد من قبل الدولة البائعة . وصارت قطع الغيار أداة تستخدم ضد كل من يخرج عن شروط العقد أو يحاول الاستقلال عن الدولة البائعة . برغم أن المعادلة يفترض فيها أن يملي المشتري شروطه فهو صاحب المال والآخر هو المستفيد إلا أن قاعدة الاحتكار الغربي مع تقدمه التكنولوجي يجعل من دولنا دولاً مقادة نحو رغبات الدولة البائعة .

ولإلقاء صورة أكثر وضوحاً في هذا المجال علينا النظر إلى أساسيات تكنولوجيا وسائل الإعلام أين تصنع وكيف توزع . فبدءً من أجهزة الكمبيوتر والاستديو الإذاعي والتلفازي وانتهاء بالأقمار الصناعية وقواعد الصواريخ التي تقوم بإطلاقها في الفضاء ، وفي مجالات الطباعة والتصوير وتقنية الأفلام الفوتوغرافية والسينمائية كلها تبدأ من دول الشمال . هذا البدء لم يولد خلال فترة زمنية قصيرة بل تولد خلال عقود طويلة من الزمن رافقه مراكز أبحاث وجامعات وميزانيات ضخمة تنفق في مجال البحث العلمي ، في حين تقع دوائر اهتمام دول العالم الثالث خارج دائرة البحث العلمي والتكنولوجي .

دولنا تتجه نحو توسيع دائرة التسلح وزيادة الرفاهية وزيادة تحقيق مزيد من الطعام والكساء والأمن ، ولا ترى في البحث وتشجيعه دوراً فاعلاً في تغيير كيانها وتحويلها من دول متخلفة إلى دول متقدمة ففي حين يوجد في اليابان [6309] عالم ومهندس متفرغين للبحث العلمي من كل مليون مواطن عام 1994 وفي أمريكا [3732] عالم ومهندس من كل مليون ، وفي السويد [3714] عالم ومهندس من كل مليون ، وفي بريطانيا [2417] عالم ومهندس لكل مليون . وفي ألمانيا [2843] عالم ومهندس لكل مليون  .

يقابل ذلك اختفاء أسماء كثيرة من دول العالم الثالث من قائمة الدول التي ترعى التكنولوجيا وتنتجها ففي الإحصاءات المتوفرة من مصادر محايده كاليونسكو[14] لم يصل مجموع العلماء والمهندسين المتفرغين للبحث العلمي في مراكز متخصصه في تطوير التكنولوجيا إلا إلى [458] عالم ومهندس لكل مليون في مصر وفي المكسيك [157] عالم ومهندس لكل مليون وفي البرازيل [168] عالم ومهندس لكل مليون وفي الصين [350] عالم ومهندس لكل مليون وفي تركيا [261] عالم ومهندس لكل مليون . والاستثناء الوحيد في زيادة عدد العلماء في دول العالم الثالث هو دول الاتحاد السوفيتي السابقة التي أصبحت جمهوريات مستقلة حيث يبلغ عدد العلماء فيها بفضل سياسة الاتحاد السوفيتي السابق في لاتفيا [1189] عالم ومهندس لكل مليون، لوتوانيا [1278] عالم ومهندس لكل مليون، أوزبكستان [1760] عالم ومهندس لكل مليون ،طاجكستان [709] عالم ومهندس لكل مليون . مع العلم أن معظم أبحاث الاتحاد السوفيتي السابق كانت في عالم الأسلحة والفضاء ولم يتقدم البحث العلمي في مجال التكنولوجيا التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية كما يفعل علماء اليابان وأوربا.

وتنفق على هذه المراكز أرقام فلكية من الأموال في استثمارات مدروسة تحقق التفوق التكنولوجي على الدول الأخرى لعدة عقود وليس سنوات . فالولايات المتحدة الأمريكية أنفقت عام 1995 من ميزانية الدولة والقطاع الخاص على البحث العلمي عام 1995 [171,000,000,000] دولار أمريكي وأنفقت ألمانيا عام 1993[76,721,000,000] مارك ألماني يعادل دولار أمريكي وأنفقت بريطانيا عام 1993 [13.829,000,000] جنيه استرليني يعادل دولار أمريكي وأنفقت اليابان [13,771,524,000] ين ياباني عام 1991 يعادل دولار أمريكي  أما دول العالم الثالث فإنفاقها الحكومي على البحث العلمي قليل مقارنة بحجم إنفاقها على الاستهلاك اليومي لشعوبها التي تعاني من قلة التعليم والصحة ومستوى المعيشة إضافة إلى نزاعاتها الحدودية مع جاراتها التي ترهق ميزانياتها في التسلح .

وبالرغم من معاونة الدول الغربية لدول العالم الثالث بتحمل جزء من ميزانيات البحث العلمي الموجه في القضايا الإنسانية والبيئة فقط فإن الانفاق بشكل عام يعد محدوداً ولا يمكن أن يرقى بهذه المراكز إلى مستوى عالمي في البحث والتكنولوجيا .

ففي حين أنفقت مدغشقر عام 1995 [22,477,000,000] فرنك فرنسي يعادل              دولار أمريكي تتحمل الدولة منها  8,7%  فقط أما البافي 89,7%  فعلى شكل معونات أجنبية . وفي قبرص تم إنفاق [100,460,000,000] دراخما يعادل       دولار أمريكي عام 1993 منها 30% معونات أجنبية وأنفقت تركيا عام 1995 [28,509395,000] ليره تركية تعادل دولاراً أمريكي .

هذه الأرقام توضح حجم الفارق بين تحديد الهدف في الوصول إلى تكنولوجيا أكثر تقدماً وبالتالي احتكاراُ أكبر لسوق يملكه من يملك تقنيته وبين دول تعتبر البحث العلمي مجالا ثانوياً من الإنفاق يسبقه التعليم والصحة والتسلح قبل ذلك .

وخطر المعونات الأجنبية في مراكز البحث العلمي وتوجيهها وتحديدها فهي عادة ما تكون في مجالات الصحة والبيئة والدراسات الاجتماعية ولا يمكن أن تصل إلى التكنولوجيا أو الفضاء وبالرغم من خدمتها لهذه القطاعات إلا أن وسائل الإعلام الغربية تفاجئنا مرة بعد مرة بإجراء تجارب على لقاحات ضد أمراض مستعصية تم تجربتها بعد الفئران على إنسان دول العالم الثالث وفي أفريقيا والهند بشكل خاص . وهذه الفضائح الإنسانية لا يمكن أن تفسر إلا بأن مالك البحث ومعامل تركيب الأدوية في الغرب استغلت ما تقدمه من دعم لميزانيات مراكز البحث العلمي في دول العالم الثالث وقامت من خلال ذلك بتجربة أدويتها على شعوب لا يملك الإنسان فيها مفاتيح المعرفة ليدرك حجم الخطر فيما يجربه مقابل دولارات معدودة ولا يوجد فيها من صناع القرار من يدرك حجم المأساة .

يقول الدكنور عبدالرحمن السميط[15] ـ نقلاً عن أحد رجال الكونجرس الامريكي ـ: ((إن كل دولار تمنحه امريكا لدول العالم الثالث يعود عليها بثلاثة دولارات سنوياً)) ويفسر ذلك بأن امريكا تبني محطة إذاعة لدولة إفريقية مثلاً وتمنحها لها ثم تقوم هذه الدولة بشراء قطع الغيار وإعادة تدريب العاملين والالتزام بتقنية الشركة الإمريكية التي قامت بتركيب المحطة ، مما يؤدي إلى أن تدفع مقابل هذه الالتزامات ثلاثة أضعاف قيمة المحطة نفسها .

 ذكر لي أحد الأساتذة بكلية الطب في جامعة عربية أفريقية أنهم استطاعوا خلال بداية الثمانينات زراعة الكلى وكان ذلك يعد فتحاً في مجال زراعة الأعضاء في دول العالم الثالث . فقاموا بزيارة لرئيس الدولة ليخبروه عن هذا الإنجاز العظيم ، فرد عليهم : دولتنا ليست في حاجة إلى زراعة كلى ، نحن في حاجة إلى زراعة رز ؟! بهذه العقليات فقدنا التكنولوجيا بحثاً ودراسة وتطبيقاً . وبهذه العقليات صرنا نتسول الموافقة على طلبات الشراء برغم تقديم كافة الضمانات المالية .

إن التحكم في تكنولوجيا وسائل الإعلام قدم لدول الغرب ثغوراً مباحة في قناتنا فالإذاعات الموجهة على مدى الستين عاماً الماضية جعلت الطفل الشرقي يعرف تفاصيل ما يحدث في الغرب بكل فنانيه ولاعبي الكرة ورؤساء الدول والكتاب والمفكرون واستطاعت هذه الإذاعات الموجهة أن تشكل عقول النخبة من مثقفينا وبالتالي من دونهم في الجامعات والمراكز العليا في دولنا . ثم بدأ البث الفضائي يشكل تهديداً أكثر لهويتنا وثقافتنا وسيتلوه تحكم أكثر في بث قنواتنا المحلية . كل ذلك بسبب التحكم في تصنيع وتشغيل تكنولوجيا وسائل الإعلام ، ثم التحكم في بيعها لمن وبكم .

3) التحكم في الأقمار الصناعية :

يتصور بعض المتحمسين من الدعاة والوطنيين أن مسألة الأقمار الصناعية مسألة مالية، فالدولة من دولنا إن أرادت أن تنشر الخير أو أن تنشر فكر ثوارها فما عليها سوى دفع رسوم التشغيل للشركات الغربية المالكة لهذه الأقمار الصناعية لتحصل على قنوات تقوم من خلالها ببث ما تريد ، وهذا في الواقع غير صحيح .

فالأقمار الصناعية ليست مباحة لكل من يملك مالاً بل تحكمها ضوابط وقواعد منطلقة من استراتيجيات أمنية وسياسية وعقائدية . فلا يمكن أن تسمح الدول التي تقع هذه الشركات داخل حدودها بإعطاء دول العالم الثالث الحرية في استخدام هذه القنوات الفضائية كيفما تشاء ، فهناك ((تصور لحرية الإعلام على أنها نتيجة طبيعية لحرية التعبير ، لكنها في الواقع فهمت على أنها حرية القائم بالإعلام ، ونتيجة لهذا أصبحت أداة للسيطرة في أيدي الذين يتحكمون في وسائل الإعلام ، وبلغة القانون فقد نجم عنها تقديس لحقوق المشتغلين بالإعلام))[16].

وقد بدت الصورة تتضح خلال العقد الماضي في قضية التحكم في الأقمار الصناعية ، فهناك تصنيف أمريكي لدول العالم ، ومن بنود هذا التقسيم أن هناك دولاً داعمة للإرهاب ومنها : إيران والسودان وباكستان وسوريا ، وليبيا وكوبا وكوريا الشمالية . فهل يعقل أن تعطي الشركات الأمريكية المالكة لهذه الأقمار الصناعية امتيازات استخدام الأقمار الصناعية للقنوات الفضائية وغيرها من الاستخدامات السلمية لدول كهذه دون موافقة الحكومة الأمريكية ؟! لا أظن ذلك ممكناً ، إلا أن تعلن هذه الدول توبتها النصوح ويتقبلها منها الكونجرس الأمريكي .  وكذلك الحال بالنسبة لفرنسا وغيرها من دول أوربا.

وبداية قصة الأقمار الصناعية توضح لنا حجم الإحتكار وطرق عمله مع دول الكتلتين الغربية والشرقية ثم موقف هاتين الكتلتين الشماليتين من دول الجنوب .

ففي عام 1965 تم إطلاق أول قمر صناعي أأأااامريكي يسمى “الطائر المبكر” أو Early Bird

وهذا القمر هو الجيل الأول مما تم التعارف على تسميته فيما بعد بأقمار “إنتلسات” .. وكان هذا القمر هو أول قمر يستخدم في نطاق تجاري ولم تمض سبعة عشر يوماً حتى أطلق الإتحاد السوفيتي قمر “مولينا-1” لنقل البرامج التلفزيونية والاتصالات اللاسلكية .

ثم توالى السباق بين أمريكا والاتحاد السوفيتي ، ففي عام 1967 أطلق الجيل الثاني من “إنتلسات –2 ” ثم عام 1968 أطلق جيل أقمار “إنتلسات –3” وهكذا . وكذلك الحال بالنسبة للاتحاد السوفيتي الذي غطى خلال الستينيات جميع حدوده بشبكة من الأقمار الصناعية .

وتعتبر نشأة منظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية والأقمار الصناعية [انتلسات] في 20 أغسطس 1964 في الولايات المتحدة الأمريكية بداية لهذا السباق بين الكتلتين وقد تم تحويلها إلى منظمة دولية عام 1971 لجعلها منظمة دولية تجارية لتقديم خدمات الاتصالات عبر الأقمار الصناعية . فقد تم دعوة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية وللاسلكية للانضمام لهذه المنظمة التي ستخدم الاتصالات اللاسلكية وخدمات البث التلفازي والإذاعي والهاتف وغيرها . وتم وضع سياسات هذه المنظمة وطرق دعمها مالياً وفنياً ووضع تصور لتنمية أجيال أقمارها الصناعية . وبالطبع هيمنت الولايات المتحدة على المنظمة مع دول الغرب وصار دور الدول الأخرى داعماً ومستفيداً من خدمات إنتلسات فبالرغم من وجود 125 دولة في هذه المنظمة إلا أن الولايات المتحدة تقوم بإطلاق الأقمار الصناعية من خلال صواريخها وفرنسا كذلك . والغريب أن منظمات مثل عرب سات و يوتلسات ستظل رهينة لصواريخ الإطلاق في أمريكا وإيريان الغربية فقاعدة المستهلك للتكنلوجيا هي الرائدة في مثل هذه المنظمات التي لا تملك صنع التكنولوجيا . بل إن مجموعة من الدول استخدمت خدمات انتلسات كخدمات وطنية للهاتف والفاكس وغيرها وفي ذلك خطر استراتيجي كبير حيث تظل هذه الدول مهما كان مركزها وأسهمها في هذه المنظمة حبيسة الاستهلاك وليس الامتلاك للتكنولوجيا وستظل بذلك أمريكا وفرنسا قادرتين على الضغط على هذه الدول تكنولوجياً في حالة العداء أو الحرب .

إن الأمر المؤسف أن الدول الأعضاء في المنظمة تقدم الدعم المالي والاستهلاكي لمنتجات هذه المنظمة في حين تزيد الولايات المتحدة من عدد العلماء والفنيين العاملين في إنتلسات من أبناء شعبها وتزداد قوتها التكنولوجية على حساب تلك الدول .

ويقول د.يماني: ((أن هناك معلومات تفيد بأن معدل إرسال الأقمار الصناعية خلال الثمانينات سيكون 120 قمراً على الأقل كل عام لأغراض إعلامية وعسكرية وعلمية وغيرها)) [17]. ويلخص د.يماني قصة الأقمار الصناعية بقوله : ((والأمر الذي يستوي فيه المهيمنون هو انهم يشاركون في ممارسات استعمارية بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، وكل طرف يحاول أن يستعرض عضلاته ويفرض هيبته ، ويطور ـ وهذا هو المهم ـ وسائله الاستراتيجية لمواجهة أي حرب مقبلة)) [18].

وإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه الأخطار في السلم ومن خلال التحكم في الأقمار الصناعية الموجه للأغراض السلمية فقد أوضحت لنا حرب الخليج الثانية حجم الاستخدام وخطره للأقمار الصناعية المتخصصة في التجسس على العراق ودول الخليج وهي صورة مكررة لما يمكن أن تستخدمه دولة ملكت الأقمار الصناعية كنموذج لامتلاك التكنولوجيا.

4) التحكم في تأجير القنوات الفضائية :

إن نظرية العرض والطلب لم تعد ذات قيمة محورية في مجال تأجير الأقمار الصناعية وتأجير القنوات الفضائية ، فهناك محاور استراتيجية أخرى تتساوى أو تزيد في أهميتها في قضية العرض والطلب . فالشركات المالكة لهذه القنوات تضع لنفسها مجموعة من السياسات والشروط المطلوبة من الدول أو الشركات الراغبة في استئجار قنوات فضائية فيها . وهذه الشركات المالكة تعمل في دول لها الأخرى سياسات وشروط في المستأجرين لهذه الأسلحة الإعلامية ، ولذا فمن العبث الظن الذي يراه بعض الدعاة المتحمسين بأن المسألة مسألة مال وعزيمة ، مال تستأجر به هذه القنوات وعزيمة دول تريد نشر الإسلام وتتحمل الخسائر المالية لاستئجار هذه القنوات ، وبذلك يمكننا أن ننشر الإسلام ليعم الدنيا .

إن المسألة في الحقيقة تحتاج إلى دراسة وتمحيص ، فالمال والعزيمة أمران محوريان لبداية مشروع أي قناة فضائية سواء كان لنشر الإسلام أو المسيحية أو حتى لنشر الجنس كقنوات الولد اللعوب “play Boy” . لكن من هي الشركة التي ستأجر هذه القناة أو تلك ، ومن هي الدولة التي ستسمح بفتح ثغورها لأعدائها ؟ لنتصور العملية بشكل عكسي ، لو كانت السعودية هي المالكة لهذه القنوات فهل ستسمح بتأجيرها لقناة تابعة للفاتيكان ؟ .

من خلال التحكم في تأجير القنوات الفضائية أصبح هناك مفاضلات لشركات عن شركات أخرى ولأيدلوجيات عن أيدلوجيات أخرى . ولذا فسنجد في القريب قنوات أكثر إباحية موجهة لدول العالم الثالث لكسر الجمود الذي تفتخر به هذه الدول (في منظور الغرب) والذي تعبر عنه بأنها دول محافظة . فالأولوية تعطى لمجموعة من الأفكار والشركات لتحقيق سياسات دولية وعقائدية . والمحزن أننا في غمرة هذا التقدم السريع في مجال القنوات الفضائية ما زلنا نتسول استخدام هذه القنوات فضلاً عن تصنيعها أو شراء ما يمكن شراؤه منها . بل حتى تنويع الاستئجار أغفلنا أهميته . فالدول الغربية هي السوق الأوحد الذي نعرفه مع أن هناك دولاً أخرى كالصين واليابان وروسيا تقدمت في هذا المجال[19] .

5) التحكم في نشر الأخبار من خلال وكالات الأنباء :

يوجد المئات من وكالات الأنباء المحلية والإقليمية والدولية في عالمنا اليوم، إلا أن خمس وكالات فقط تحوز على مجموع 90% من الأخبار التي تذاع وتكتب في تلفزيونات وإذاعات وصحف ومجلات العالم[20] . هذه الوكالات هي غربية النشأة والتمويل والتوجه وهي هذه الوكالات الخمس الأشيوتدبرس  واليونايتدبرس الامريكتين وتاس والسوفيتية إنترفاكس حالياً ووكالة الأنباء الفرنسية و رويتر البريطانية .

وأقدمها وكالة فرانس برس والتي انبثقت من الوكالة التي أسسها شارل لويس هافاس عام 1835 حيث تم عام 1957 فصلها عن الحكومة الفرنسية ووضع لها نظام داخلي يتضمن استقلاليتها وموضوعيتها فأصبح يملكها مجموعة من المساهمين[21] .

ويعمل لدى الوكالة [2400] صحفي ومراسل مصور موزعين على [165] دولة وتقدم يومياً مليوني كلمة بست لغات الفرنسية والإنكليزية والعربية والألمانية والأسبانية والبرتغالية كما تقدم [200] صورة يومياً للصحف ومع دخول الإنترنت أصبحت الوكالة تقدم خدماتها عن طريق الشبكة بعد أن كانت تقدمها عبر الأقمار الصناعية فقط . وتقدم الوكالة خدمات خاصة رياضية واقتصادية وثقافية وعلمية بلغات مختلفة لمناطق وقطاعات محددة كالعالم العربي وأمريكا اللاتينية وغيرها .

وثاني هذه الوكالات من حيث التأسيس وكالة الأسيشيتد برس والتي أسست عام 1848 في الولايات المتحدة الأمريكية وتعتبر من أكبر الوكالات العالمية وأقدمها[22] . وتخدم هذه الوكالة أكثر من [5000] محطة راديو وتلفزيون في الولايات المتحدة فقط و[1700] صحيفة أمريكية بالإضافة إلى [8500] صحيفة ومحطة راديو وتلفزيون في [112] دولة ويعمل في هذه الوكالة [3500] صحفي ومراسل يعملون في [240] مكتب في [95] دولة في العالم . وتقدم الوكالة مجموع [330] محطة تلفزيونية أفلام إخبارية مصورة . كما تقوم بتقديم أخبارها بالإنجليزية والألمانية والدنماركية والفرنسية والأسبانية ثم يتم ترجمتها إلى لغات أخرى . ويبلغ عدد الكلمات اليومية التي تنشرها [20] مليون كلمة يومياً وتصدر [1000] صورة يومياً .

وتعتبر وكالة رويترز الوكالة الثالثة من حيث التأسيس والأكبر من حيث الإنتشار[23] وقد أسسها بول جوليس رويترز الألماني عام 1851 في لندن وبدأت بنقل أسعار الأسهم في البورصة بين لندن وباريس ثم امتدت إلى الأخبار حيث أصبحت تزود أكبر الصحف الأوربية بالأخبار خصوصاً ما انفردت به في تقديم أخبار عالمية ككلمة ملك سردينيا في افتتاح البرلمان عام 1859 والتي اعتبرت بداية الحرب بين فرنسا وسردينيا وفرنسا والنمسا ونبأ اغتيال الرئيس الأمريكي لينكولين عام 1865 والتي أدت إلى اضطراب أسواق المال الأوربية وإذاعة نبأ الهدنة التي أنهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 . وبعد أن تعرضت رويترز لضغوط من الحكومة البريطانية لتخدم المصالح البريطانية في الحرب العالمية الأولى ولتفادي الضغوط الحكومية قبل الحرب العالمية الثانية تم تحويل رويترز عام 1964 إلى شركة خاصة تملكها الصحافة الاقليمية والقومية البريطانية وفي عام 1974 دخلت وكالة   برس أسوسيبنشن النيوزيلاندية ووكالة اسوشيتد برس الأسترالية كمساهمين في وكالة رويترز .

وقد اطلقت وكالة رويترز مجموعة من أنظمة نقل أسعار البورصة والعملات عبر شبكات الكمبيوتر العالمية منذ عام 1964 بنظام Stock Master وحتى نظام Dealing 2000-2  عام 1997 كما أطلقت رويترز خدمة تلفزيون رويترز المالي عام 1994 لتوفير تغطية حية للمتعاملين في أسواق المال ولذلك تعتبر رويترز من أكبر الشركات العالمية أرباحاً حيث بلغت إيراداتها عام 1997 [2882] مليار جنيه استرليني منها [25%] أرباح . ويصل عدد العاملين في رويترز [16000] صحفي ومراسل وموظف موزعين على [163] مكتب في [98] دولة تبث يومياً [900,000] كلمة يومياً وخدمات محلية بواحد وعشرين   لغة .

بينما تخدم شبكة رويترز المالية [163] دولة بعدد شاشات [396400] شاشة .

تعتبر وكالة تاس السوفيتية سابقاً والتي ورثتها وكالة إنتر فاكس الروسية حالياً كما ورثت روسيا الإتحاد السوفيتي رابع أكبر وكالات الأخبار[24] . فقد تأسست وكالة تاس عام 1925 وكان لها قبل انهيار الاتحاد السوفيتي [560] مكتباً في الإتحاد السوفيتي وباقي أنحاء العالم وكان لها [2,5] مليون كلمة يومياً . وبالرغم من أن الوكالة كانت تخدم النظام السوفيتي من الناحية الفكرية إلا أنها كانت تقدم خدمات الأخبار في الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفيتي والدول الشوعية الأخرى حيث وصل عدد المشتركين إلى [700] مشترك من صحف وإذاعات ومحطات تلفزيونية باللغات الروسية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والعربية والألمانية .

وبعد سقوط الإتحاد السوفيتي أصبحت وكالة إنتر فاكس الوكالة الأولى في روسيا  واستطاعت أن تغطي جميع الجمهوريات السابقة للإتحاد السوفيتي فمكاتبها المنتشرة في هذه الجمهوريات وتغطيتها لأخبار هذه الجمهوريات تؤكد ذلك . والجديد في هذه الوكالة إستخدامها لأجهزة الإتصال الحديثة من إنترنت وأقمار صناعية وأصبحت تبث [1500] قصة إخبارية يومياً يحررها أكثر من [1000] صحفي ومراسل ولها مشتركين في [100] دولة ولها مكاتب في أمريكا وأوربا بالإضافة إلى مكاتبها في القارات الأخرى

أما وكالة يونايتد برس إنترناشيونال الأمريكية فهي أيضاً من أكبر وكالات الأنباء العالمية[25] . فقد أسسها سكربس عام 1907 وسماها جمعية الصحافة المتحدة وفي عام 1958 اتحدت هذه الوكالة مع وكالة ويلم راندولف هيرتس إنتر ناشيونال للخدمات الإخبارية ليكونا بذلك وكالة اليونايتد برس إنتر ناشيونال . وقد طورت الوكالة خدماتها من التوصيل عبر التلغراف إلى الراديو إلى أن أوجدت نظام أقمار صناعية دولي لتتسع بذلك خدماتها وتصل إلى آفاق أكثر ثم طورت خدماتها بعد ذلك عن طريق شبكة الإنترنت .

وتمتلك الوكالة [260] مكتباً حول العالم ولديها أكثر من [6500] مشترك في خدماتها من الصحف ومحطات الراديو والتلفزيون داخل الولايات المتحدة وخارجها.

وبالرغم من سيطرة وكالات الأنباء الخمس على توزيع الخبر في العالم فقد نشأت وكالات أخرى ذات تأثير كبير خصوصاً في مجال التغطية التلفازية مثل : سي إن إن ووكالة فيز نيوز التلفزيونية التي تملكها البي بي سي ووكالة رويتر وسي بي إس التلفزيونية الكندية والتلفزيون الأسترالي والتي توزع إنتاجها إلى أكثر من [180] محطة تلفزيونية في العالم .

فشبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية والتي ظهرت قوتها خلال حرب الخليج الثانية وخلال أحداث البوسنة وكوسوفا وتيمور الشرقية مثال على دلك . وبالرغم من أنها شركة تجارية خاصة إلا أنها استطاعت برغم خسارتها المتكررة مادياً في السيطرة على نشر الخبر التلفزيوني دولياً .  

وقد أصبحت هذه الوكالات الخمس محتكرة للأخبار في العالم ولعدة عوامل منها :

أ)   عدد المراسلين لهذه الوكالات الموزعين في جميع دول العالم ، بالإضافة إلى تعاقدهم مع مراسلين محليين في الدول التي لا يمكنهم تغطيتها للحصول على الأخبار بأسرع الطرق وبذلك تصبح الوكالات الإقليمية أو المحلية أضعف من أن تنشر الخبر عالمياً بنفس سرعة هذه الوكالات بل إن الصحف والإذاعات ومحطات التلفاز المشتركة تصبح رهينة هذه الوكالات لكثرة الأخبار التي تصلها منها ولجودتها وتنوعها بدء من السياسة والإقتصاد وحتى الرياضة والفن .

ب) دعم الدول الأربعة لهذه الوكالات بما يساعدها في الانتشار وبسط السبل لمراسليهم وحمايتهم من خلال سفارات هذه الدول في جميع دول العالم . وتستفيد هذه الدول من المراسلين في الشق الإخباري والشق التجسسي إذ لافرق في طبيعة العمل بين المراسل لوكالة أنباء والمخبر أو الجاسوس لدولة معينة ، فكلاهما يبحث عن المعلومة إلا أن المراسل يرسلها بهدف النشر والثاني يرسلها كمعلومة سرية .وقد لاحظ المشاهد العادي دور شبكة سي إن إن من خلال مراسليها في العراق في متابعة المباني التي قصفت بصواريخ كروز ثم نشر مادمر منها وما بقي . وأعطت بذلك فرصة أكبر من الأقمار الصناعية لمتخذ القرار في إعادة ضرب المبنى المقصود أو الإكتفاء بما تم .

ج ) بيع الأخبار بأرخص الأسعار نظراً لقلة التكلفة في جمعها مقارنة بالإمكانات المتوفرة وحجم السوق لهذه الوكالات .

بالإضافة إلى أن بيع الأخبار بأسعار رخيصة سيؤدي إلى إماتة دور الوكالات الإقليمية ثم المحلية من خلال خطة اقتصادية متوسطة أو طويلة المدى .

د ) عدم وجود الرقابة السياسية المفروضة على هذه الوكالات كما هو الحال في وكالات الأنباء المحلية .

هـ) سرعة نقل الخبر وذلك لكثرة عدد المراسلين وانتشارهم ثم لاستخدام هذه الوكالات لأحدث الأجهزة في مجال الاتصالات .

بعد أن عرفنا تحكم هذه الوكالات في نشر الأخبار يمكننا الان الحديث عن دورها في توجيه الخبر وتحويره أو إماتته . فهناك قاعدة معروفة عن الإعلاميين ؛ أن أي خبر يراد إماتته يتم ذلك بعدم نشره وبذلك لن يتحدث عنه الناس [26].

وبهذا لعبت هذه الوكالات دوراً كبيراً في إماتة الكثير من القضايا الحية بالنسبة لدول العالم الثالث في حين أبرزت آلاف الأخبار عما يحدث في أوربا وأمريكا . فمن معدل ما ترسله إلى إذاعات وتلفزيونات وصحف العالم توجد نسبة 20%  إلى 30% فقط من أخبار دول العالم الثالث في حين الباقي يمثل أخبار أوربا وأمريكا . مع العلم أن أوربا وأمريكا لا يشكلان سكانياً سوى  20% من مجموع دول العالم [27].

أما تحوير الخبر فهناك نظرية إعلامية تسمى نظرية حارس البوابة[28] والتي تتضح معالمها في وكالات الأنباء بالذات . فالنظرية ترى أن مراسل وكالة معينة في مدينة بومباي مثلاً في الهند ، عندما يرى حادثاً ينقله إلى رئيس فرع الوكالة في الهند بحسب ما رآه أو بحسب قدرته على الوصف وبحسب المعلومات التي استطاع جمعها . ولا ينسى إن كان للحادث ارتباط بعقيدة أو لغة أو قبيلة المراسل نفسه وما لذلك من تأثير في طريقة صياغة الخبر أو إضافة أو حذف جزء منه ثم ينقل الخبر إلى رئيس الفرع في الهند الذي يقوم بدوره بربط الخبر ضمن أخبار أخرى أو إجراء تعديلات في الصياغة أو إضافة معلومات لم تتوفر للمراسل حين كتابة الخبر . ثم يقوم بإرسال الخبر إلى مقر الوكالة الرئيسية في أوربا أو أمريكا وهناك أيضاً يترجم الخبر وتعاد صياغته وقد تضاف معلومات أو تحذف أخرى لعدم أهميتها ثم يرسل إلى المشتركين . هذه السلسلة التي مر عليها الخبر يتم خلالها تعديل أو تحوير أو إضافة أو حذف جزء أو أجزاء من الخبر من خلال هؤلاء الحراس الذين تفترضهم النظرية .

ولأن الوكالات جميعها غربية فيمكننا أن نتصور مدى تركيزها على قضايا محددة مضادة للغرب ومدى تركيزها على قضايا أخرى لصالح النفوذ الغربي . ومثال تغطية أخبار أفغانستان خلال الحرب مع الشيوعيين وتغطية الأخبار خلال المعارك بين الصرب والمسلمين والصرب والكروات والكروات والمسلمين ، كل ذلك عبارة عن أمثلة توضح خطورة احتكار توزيع الأخبار وجمعها من خلال خمس وكالات غربية وبالتالي دور ذلك في تشكيل الثقافات في الدول المستقبلة .

6) نشر الأفلام والمسلسلات الغربية بأرخص الأسعار :

كان من الطبيعي في فترة انتشار التلفزيون في دول العالم الثالث الاستعانة بالأفلام والمسلسلات الغربية لعدم توفر الإنتاج المحلي في تلك الحقبة ، وقد أدى هذا الانتشار إلى نظرة المشاهد في دول العالم الثالث إلى أسلوب إنتاج هذه الأفلام والمسلسلات على أنه مثالي أو Model  وهذا متوقع لأن التلفزيون والسينما في الدول الغربية قد سبقوا التلفزيون والسينما في دول العالم الثالث بعدة عقود . وقد حاول الإنتاج المحلي مجاراة الإنتاج الغربي في القصة والمضمون لكنه لم يفلح في مجاراته في أساليب وإمكانات الإنتاج والتي تضخ لإنجاحها رؤوس أموال ضخمة من مؤسسات الإنتاج ومن البنوك المستثمرة في مجالا الإنتاج .

وبرغم النجاح الذي حققه الإنتاج المحلي معتمداً على عنصر اللغة المحلية في الحوار ، إلا أن المشاهد ظل ينظر إلى هوليود على أنها قبلة الفن لا منازع في ذلك . ولأن فلسفة الإنتاج في هوليود قائمة على الحصول على تكلفة الفلم أو المسلسل ونسبة جيدة من الأرباح من التسويق المحلي للفلم أو المسلسل داخل أمريكا فقد بلغ عدد دور السينما الثابتة (بحسب إحصاءات اليونسكو)[29] في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1991 [23662] سينما  يضاف لها [908] سينما السيارات [وهي ميادين ضخمة يدخل فيها المتفرج بسيارته لمشاهدة الأفلام] وفي نفس العام بلغ عدد المرتادين لهذه الدور السينمائية الثابتة وسينما السيارات [981,000,000] مشاهد أي أن المواطن الأمريكي دخل دار السينما أربع مرات في تلك السنة إذا قسم هذا العدد على مجموع السكان .

وقد حققت شركات الإنتاج السينمائي في عام 1991 إيرادات وصلت إلى [4,803,000,000] دولار أمريكي ، فقد ساعد ذلك على نشر الفلم أو المسلسل الأمريكي خارج أمريكا بأسعار زهيدة مقارنة بتكلفة إنتاجه .

وتعد الهند الدولة الوحيدة التي حافظت على تفوقها العددي في إنتاج الأفلام وإن لم تستطع أن تتجاوز حاجز اللغة في نشر أفلامها في العالم وحاجز الميزانيات الضخمة التي ترصد لإنتاج الأفلام . واتبعت الهند سياسة هوليود في الإعتماد على تحصيل قيمة الفلم وأرباحه من التسويق المحلي ثم التوزيع بأسعار أرخص خارج الهند.

فقد بلغت عدد دور السينما الثابتة في الهند عام 1991 [13275] سينما بالإضافة إلى [170] سينما متحركة و [3] ميادين عرض سينما السيارات .

وبلغ عدد المرتادين في ذلك العام [4,297,500,000] مشاهد وهو يوضح أن نسبة المشاهدة أعلى من الولايات المتحدة حيث بلغت خمس أضعاف تعداد السكان أي أن الفرد قد دخل إلى السينما خمس مرات في ذلك العام .

وقد استطاعت هوليود الأمريكية أن تفرض الفلم الأمريكي في جميع أنحاء العالم من خلال استراتيجية تتحدد معالمها في هذه السياسات :

أ- نشر الفلم والمسلسل الأمريكي في جميع دول العالم من أقصى اليابان إلى روسيا وحتى جنوب إفريقيا . فإعلانات هذه الأفلام والمسلسلات وأبطالها محفورة في جدران وقلوب وعشاق الأفلام الأمريكية في كل مكان. ولنأخذ أمثلة متعددة لنلاحظ حجم الخطر الذي شكله الفلم الأمريكي . فالدول الغربية مثل ألمانيا بلغت نسبة الفلم الأمريكي المستورد [68,5%] عام 1995 من حجم الأفلام المستوردة إجمالاً. وفي فرنسا في نفس العام بلغ الفلم الأمريكي نسبة [57%] من حجم الأفلام المستوردة. وفي إيطاليا [64%] من حجم الأفلام المستوردة عام 1995 وفي روسيا [59%] من حجم الأفلام المستوردة في نفس العام . وفي اليابان [59,7%] من حجم الأفلام المستوردة عام 1993 وهذه نماذج لدول ازدهرت فيها صناعة السينما ومدارسها . بل إن نسبة لا بأس بها من الأفلام الأمريكية صورت من قصص كتابها الأوربيون .

أما دول العالم الثالث فالنسب التي يشكلها الفلم الأمريكي من حجم الأفلام المستوردة كبير ، ففي مصر بلغت نسبة الأفلام الأمريكية المعروضة فيها عام 1994 [70,9%] من حجم الأفلام المستوردة وفي بربادوس [97,8%] من حجم الأفلام المستوردة عام 1991 وفي كوبا العدو الأكبر للولايات المتحدة [40,9%] من حجم الأفلام المستوردة عام 1993 وفي قرغيستان [76,9%] من حجم الأفلام المستوردة عام 1995 وفي لبنان [83%] من حجم الأفلام المستوردة عام 1993 وفي باكستان [58,4%] من حجم الأفلام المستوردة عام 1995 وفي سوريا [86,1%] من حجم الأفلام المستوردة عام 1993 بل حتى الهند أكبر منتج في العالم للأفلام تستورد [72,3%] من حجم الأفلام المستوردة من أمريكا عام 1991 .

ب- تحطيم الإنتاج المحلي في جميع دول العالم حتى في أوربا . ولك أن تطلع إلى تقرير اليونسكو الإحصائي السنوي عن معدل إنتاج الأفلام لكل دولة من دول العالم لترى معدل نزول هذه الأفلام بشكل مخيف في ظل زيادة إنتاج الفلم الأمريكي . ولم يسلم من هذه القاعدة سوى الفلم الهندي الذي ما زال محافظاً على سوقه وحجم إنتاجه[30] .

ج- يقال أن الرئيس الامريكي روزفلت طلب في اجتماع مع رؤساء كبرى شركات الإنتاج في هوليود أن يرسموا للعالم من خلال صناعة الفلم شخصية الرجل الأمريكي على أنها الشخصية التي لا تقهر . وقد يكون هذا الكلام صحيحاً إذا نظرنا إلى أي شريحة من شرائح الفلم الأمريكي . فالكاوبوي أو راعي البقر شخصية أسطورية يتغلب على آلاف الهنود الحمر وكذلك الجندي الأمريكي في أفلام كومبت يقتل عشرات الجنود الألمان ، ورامبو العظيم وهلم جرا . والصورة نفسها داخل المجتمع الأمريكي فرجل الشرطة والأفلام البوليسية كلها قائمة على فكرة الرجل السوبر الذي لا يقهر . ولذا فلا عجب أن يتطور الخيال الأمريكي في فلسفة الرجل الذي لا يقهر حتى في أفلام سوبرمان والوطواط وحتى أفلام الرعب .

ولئن رأى البعض أن هذه الفلسفة لا علاقة للمشاهد بها وأنها فلسفة المنتج ولا تعني ـ بضرورة انتقالها للمشاهد ـ فهذا في الحقيقة قمة الخطأ . فالإنسان بطبيعته متقمص لما يراه في حياته من أشخاص وقدوات سواء كان ذلك في صفات الخير أو الشر . ولذا فمن الطبيعي أن يموت شبابنا وفتياتنا هياماً بمايكل جاكسون و مادونا في الغناء و جون ترافولتا في الرقص و مارادونا في الكرة ورامبو في العضلات ، فلقد رأوا هؤلاء الفنانين يرتمي بين أيديهم ملايين البشر فلماذا لا يكونوا هم أيضا ؟! . إن نزعة التقمص الموجودة في نفوسنا تدفعنا إلى ذلك .

إن الفلم والمسلسل الامريكي لم يعد خطراً على الفكر فقط بل أصبح ماسحاً لجميع المساحات البرامجية في قنواتنا . فهو أرخص ثمناً وأجود إنتاجاً ، ثم بالتالي أكثر شعبية . ولك أن تتصور المضامين والعقائد التي يمكن أن ينشرها هذا الفلم وذاك المسلسل في أمة تتعشقه . لقد أصبح عادياً أن يخرج الفتى مع صديقته للسهر معها ثم أصبح عادياً للزوج أن يتعرف على غير زوجته أو العكس في ظل التركيز المتواصل المطروح في هده الأفلام في مجتمعاتنا الشرقية المحافظة .

7- نشر أفلام الكرتون

تعد أفلام الكرتون أحد أهم برامج التلفزيون في جميع أنحاء العالم . وقد تغيرت صورة أفلام الكرتون من فن يعتمد على تصور اللا ممكن واللا معقول إلى قصص من التراث العالمي والأوربي . وإن كان والت ديزني حجر الزاوية في هذه الصناعة فإن شركات أخرى مثل وارنر وحنّا وشركات يابانية إستطاعت أن تقتسم المساحات الزمنية التي طالما ملئتها شركة والت ديزني  بأفلامها . ولسنا هنا في مجال توضيح تاريخ هذه الصناعة أو تقنيتها ولكننا بصدد الحديث عن خطرها الفكري وانتشارها في تلفزيونات دول العالم الثالث بشكل كبير . إن أكبر شريحة من المشاهدين تتعرض لأفلام الكرتون هم الأطفال بين سن سنتين إلى 16 عام . ثم تمتد بعد ذلك شريحة أخرى من المتعلقين بهذا الفن إلى أعمار أخرى غير محددة . ونظراً لأن فلسفة هذا الفن قائمة على اللا ممكن واللامعقول فإنها تفتح في الأطفال باب الخيال إلى أقصى مداه . وتصور لهم مشاهد مضحكة لا يمكن التعبير عنها من خلال ممثلين أو دمى .

والخطر الكامن في أفلام الكرتون هو القصص التي تتعرض لها أو الأفكار التي تبنى عليها . فالقصص التي تم إنتاجها على شكل أفلام طويلة أو قصص مسلسلة تدور دائماً حول قصص الحب ومغامراته . وقد نجحت شركات الإنتاج في تصوير قضية الحب بأسلوب خطير يصور العلاقة بين العاشقين على أنها مثالية وقصص سندريلا وعلاء الدين وغيرها مثال على ذلك . والخطر يكمن في نوع الجمهور المتلقي فهم أطفال من سن [2-16] سنة وهذا السن يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل من [2-9] سنوات حيث البناء للمعلومات والأفكار ثم من [9-12] سنة حيث المقارنة بين ما بني والواقع المحيط ببيئة الطفل ثم من [12-16] سنة حيث الرغبة في ممارسة ما تم تعلمه أو على الأقل الإقتناع بصدقه أو كذبه من دون ممارسته بسبب العوامل الإجتماعية المحيطة .ولك أن تتصور حجم الإنتشار الكبير لمفهوم الجنس والعلاقات والصداقات بين الجنسين التي أصبحت رمزاً للجيل الجديد في الغرب والتي يعود جزء منها إلى ما ذكرناه من أن النشأة والتعود على مشاهدة قصص عاطفية منذ الصغر وحتى سن المراهقة سيولد حتماً مثل هذه الأفكار لدى الأجيال في الغرب خصوصا إذا علمنا أن حجم مشاهدة الأطفال لأفلام الكرتون مقارنة بالبرامج الأخرى يزيد عن [60%] من حجم المشاهدة .

أما الخطر الثاني الذي تقوم عليه أفلام الكرتون فهو الأفكار التي تبنى عليها خصوصاً الأفلام القصيرة . حيث تتركز فكرة العنف على مجموعة من الأفلام مثل [ماسك] وتتركز فكرة الفضولية في أفلام مثل [بنك بانثر] و[ودي بيكر] كما تتركز فكرة انتصار الضعيف بأي وسيلة على أفلام مثل [توم وجيري]وكذلك فكرة الإغراء الجنسي في أفلام [باباي – وميكي ماوس]

وهناك خطر أكبر في الأفلام التي تصور الرب [جل الله عما يصفون]. والملائكة والشيطان وآلهة السحب والبحار والرياح كما في الأساطير اليونانية وكم عانى مَن هم مثلي أثناء دراستهم في الغرب في شرح خطأ هذا المفهوم لأبنائنا دون سن الخامسة عندما شاهدو مثل هذه الأفلام في الغرب.

وتقوم القنوات المسيحية بتصوير أفلام كرتون عن الأنبياء نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ويوسف عليهم السلام وغيرهم بتصورات يدخل فيها ما ورد في التوراة والإنجيل ولكن ريشة الفنان وقلم كاتب السيناريو يضيفان على القصة [بحجة الفن] لقطات عاطفية وتقريب لصورة الرب [تعالى الله عما يصفون] أما الخطر على عالمنا الثالث فهي كذلك مشكلة الاستهلاك فهذه الصناعة بالرغم من قيام جزء كبير منها على التمويل المالي في حال توفر القصص إلا أننا مستهلكين للإنتاج الأمريكي والياباني . ولتقريب صورة الخطر أذكر أني حضرت محاضرة للدكتور جيف منجم رئيس قسم الأبحاث في قسم الصحافة في جامعة ويلز عام 1989 عن خطر الفلم الأمريكي على المشاهد البريطاني . وكان أهم ما قاله [إن أطفالنا البريطانيين لكثرة مشاهدتهم لأفلام الكرتون أصبحت لهجتهم أمريكية وأفكارهم تجاه الموضة أمريكية ورغبتهم في العنف أكبر] إنه يتحدث عن دولتين غربيتين تتحدثان نفس اللغة ولكن بلهجتين مختلفتين ومن مجتمعين أحدهما بريطاني محافظ قليل الجريمة مع آخر أمريكي متحرر وكثير الجريمة مع دلك يرى أن الخطر يتهدد الجيل الجديد في بريطانيا.

 ولقد زاد إنتاج أفلام الكرتون اليابانيه وإن كان بجودة أقل من الأفلام الأمريكية الأمر الذي جعل التنافس على أسواق العالم الثالث أكبر . ونظراً لأن فلسفة إنتاج هذه الأفلام في أمريكا وكذلك في اليابان قائم على الاستثمار في السوق المحلي أولاً بإخراج تكاليف المشروع وأرباحه منه ثم نشره خارج الحدود بأسعار أقل وكذلك إنتاج الفلم سينمائياً في الغالب للقصص الطويلة وطرحه في السينما لعدة أعوام ثم على شكل أشرطة فيديو فقد أتاحت هذه السياسة استثمارات وعائدات ضخمة لشركات الإنتاج . ولذا يتم بيع حقوق عرضه في تلفزيونات دول العالم الثالث بعد ذلك النجاح بدولارات معدودة لكل ساعة إنتاج . وبذلك يحقق القائمون على تلفزيونات دول العالم الثالث مكاسب اقتصادية بملء ساعات البث ببرامج رخيصة الثمن ومكاسب شعبية حيث حب الجمهور والأطفال على وجه الخصوص لهذه البرامج.

وقد تعلق أطفال العالم الثالث بهذه الأفلام بالرغم من حاجز اللغة فبعضها بالإنجليزية أو الفرنسية أو اليابانية . ولكن الأطفال استخلصوا من هذه الأفلام فكرها وفلسفتها . ولم تشهد محاولات جادة في ترجمة هذه الأفلام إلا في بداية الثمانينات الميلادية حيث بدأت استيديوهات بيروت في ترجمة هذه القصص مثل هايدي والبؤساء وغيرها .

وبالرغم من أن الترجمة تعتبر قناة لتصفية الأفكار والأسماء والمشاهد التي لا تتناسب مع المجتمع إلا أن المترجمين الأوائل كانوا من نصارى العرب الذين لا تمثل قضيةالهويةالإسلامية أو أسماء لورانس وهايدي وجورج عقدة عندهم .

وأول محاولة في الترجمة كانت تحمل روحاً قومية عربية هي ترجمة مسلسل كابتن ماجد الياباني . فقد لاقى انتشاراً واسعاً وتعلق به الأطفال حتى أصبح رمزاً يلصق على الحقائب المدرسية وملابس الرياضة وأحذيتها ودفاتر الطلاب ومساطرهم وفي ظني أن هذا المسلسل كان نقطة تحول في دخول شركات الإنتاج السورية والأردنية في حلبة الترجمة لأفلام الكرتون اليابانية . ومن حسن الطالع أن القائمين عليها من القوميين أو الوطنيين المسلمين الذين حرفوا بعض النصوص وغيروا الأسماء إلى أسماء عربية وبجودة في الأداء جيدة .

وهذه الترجمة خففت من حجم الخطر القادم من هذه الأفلام حيث انتقاءها كان أفضل والتصرف في الترجمة خفف من خطرها . إلا أنها ساهمت في زيادة جمهور أفلام الكرتون بشكل أكبر من ذي قبل نتيجة كسر حاجز اللغة . وظل الفلم الكرتوني الأمريكي حبيس اللغة الإنجليزية إلى أن تداركت شركات الإنتاج الأمريكية سحب الفلم الياباني للبساط من تحتها بأن قامت بترجمة أفلامها إلى العربية وغيرها ولكن من خلال فريقها ودون تحريف في قصصها أو أسماء شخصياتها . وقد حدث ما كان متوقعاً . فبالرغم من الترجمة باللهجة المصرية بدلاً من اللغة العربية الفصحى فقد اكتسح سوق هذه الأفلام سوق الدول العربية بشكل كبير ولم يصمد الفلم الياباني إلا بكثرة أسماءه وتنوع منتجاته وانخفاض سعر شراءه .

وهذا الخطر في زيادة انتشار هذه الأفلام باللغات المحلية في دول العالم الثالث سيزيد من حجم تعرض أبنائها لأفكار وفلسفات مجتمعات مختلفة وستؤدي لا محالة إلى تغيير في سلوك الأجيال نحو قضايا الجنس والعنف والبيئة . كما أن الخطر الأكبر القادم هو أفلام الكرتون المنتجة للكبار والتي انتشرت خلال العقد الماضي في أمريكا وأوربا وتبث ليلاً لما تحتويه من مناظر فاضحة وأفكار وأخلاق مبتذلة وجمهورها بالرغم من كونه من البالغين إلا أن نزولها الأسواق على شكل أشرطة فيديو سيزيد من حجم تعرض الأطفال لها .

ونرجو أن لا تتجرأ محطات تلفزيونية في دول العالم الثالث في القيام بعرض هذه الأفلام

وينبغي أن لا نغفل محاولات شركات محلية في الدخول في مجال إنتاج هذه الأفلام في تركيا والسعودية وسوريا والكويت فهي محاولات جادة وتحتاج إلى دعم فكري ومادي لتحسين جودة إنتاجها وانتقالها من المحلية إلى العالمية .

 

8-  المسلسلات المدبلجة :

ذكرنا سابقاً أن ترجمة الأعمال الفنية إيجابية في تصفية الأفكار الواردة في هذه الأعمال سواء كانت أفلاماً سينمائية أو أفلام كرتون أو تمثيليات تلفازية .. إلا أن العقد الماضي شهد تطور سلبياً في الأعمال المدبلجة يشكل خطراً حقيقياً على الفكر والأخلاق[31] . إن هذا التطور يكمن في ترجمة ودبلجة مسلسلات من أمريكا الجنوبية والمكسيك إلى اللغة العربية وقد تم قبل ذلك في دول أخرى كتركيا ترجمة ودبلجة الكثير من الأعمال الفنية الأمريكية ..

بدأت الفكرة في أن هذه الأعمال ذات سمعة وقبول جماهيري في دولها بالإضافة إلى انخفاض سعرها وطول حلقاتها التي تصل في بعضها إلى أكثر من ثلاثمائة حلقة يمكنها بذلك أن تملاء الكثير من ساعات البث في محطاتنا بحودة أعلى [فنياً] من إنتاجنا في مجال المسلسلات[32] كما أنها حلقات متتابعة لا تنتهي كما هو الحال في مسلسلاتنا التي اعتاد الناس على أرقام حلقاتها الثلاث عشرة أو الثلاثين في المسلسلات الرمضانية . والأهم من ذلك موضوعاتها فهي تناقش موضوعات لا يستطيع كاتبنا ولا مخرجينا في المرحلة الحالية تقديمها لجمهورنا المحافظ كموضوع الحمل بدون زواج ومصادقة ومعاشرة الأم والابنة في نفس الوقت لنفس الرجل وموضوعات الشذوذ الجنسي إلى غير ذلك كما أن الملابس القصيرة جداً للمثلات وبروز الممثلين في أوضاع مثيرة جنسية في غرف النوم مع الممثلات ، كل ذلك من الأمور التي جعلت لهذه المسلسلات أسلوباً خاصاً في الأداء والطرح .

وللحديث عن خطر هذه المسلسلات علينا التذكير بأن فكرت المسلسلات فكرت تلفزيونية قائمة على تصوير ما يعيشه الإنسان في حياتة اليومية في محيط أسرته أو عمله كما أنها تعرض مشكلات كل مجتمع وتطرح الحلول التي يراها الكتاب بحسب خلفياتهم الفكرية والعقائدية . ولا يوجد لهذه المسلسلات قانون واحد في التعامل مع القضايا الاجتماعية  العامة كتربية الأبناء والعلاقة بين الزوج والزوجة أو العلاقات مع محيط الأسرة وفي الحي والمدرسة والعمل وكذلك الحال في تعاملهم مع أمراض المجتمع كالشذوذ والعلاقات خارج الزواج والرشوة والكسب الغير مشروع ..[33]

  ففي الدولة الواحدة في الغرب أو أمريكا الجنوبية تجد مسلسلاً يتحدث عن موضوع كتربية الأبناء من وجهة نظر المحافظين مثل مسلسل LITTIL HOUSE البيت الصغير ليتحدث عن الكذب والكسل والجريمة بما يتناسب مع الأخلاق العامة ، في حين نجد مسلسلاً آخر يتحدث عن التربية بطريقة مغايرة تماماً مثل مسلسل بيفرلي هيلز والذي يتحدث عن تربية الأبناء في جو منفتح على جميع معطيات المجتمع وشذوذه .

وكذلك الحال بالنسبة للأفكار الأخرى التي تجعل المحامي متأكداً من قتل موكله للضحية لكنه يستخدم كل أسلوب لينتصر في إصدار حكم البراءة له من المحكمة مبرراً ذلك بأنه جزء من عمله حتى وإن كان فيه طمس الحقائق .

إن هذا التبدل الخطير في تقديم الشذوذ على أنه طبيعي لدى فئة من الناس سواء كان ذلك في الجنس أو الكسب أو الأخلاق قدم نماذج لمجتمعات الغرب تربى عليها أجيال من أبنائهم وبناتهم ، ساهمت مع غيرها من العوامل في انتشار الفساد الأخلاقي والمالي والجنسي في مجتمعاتهم . والأخطر أن هذه المسلسلات بعضها يمتد إلى أكثر من خمس وعشرين سنة مثل [ذي كورنيشن ستريت و نيبرزٍ].

لكننا نقول دائماً أن هذه الأفكار بنات مجتمعاتها وليس لنا دور في تحسينها أو تعديلها لكن الخطر بدأ يتضح الآن عندما وصلت لنا بعض هذه المسلسلات مدبلجة إلى العربية وقبلها إلى التركية . هنا بدأنا نلاحظ حجم الخطر حيث قام بالترجمة شركات لبنانية مسيحية لا تمانع في طرح هذه القضايا وترجمتها وبدأ بثها في البداية من قناة LBC اللبنانية المسيحية وبذلك عرضت دون تصفية للفكر ولا للشكل وتمت التجربة وزاد حجم الجمهور لهذه المسلسلات من الشباب وبدأ الصحفيين والكوميديين يقرعون الطبل كل بأسلوبه ليوضحوا خطرها .ولكن فكرها الجديد وطريقة عرضها وملل المشاهد من الإنتاج المحلي زاد من عطاء هذه المسلسلات فبدأت قناة    MBC  ثم باقي محطات التلفزيون الحكومية مثل سوريا والجزائر والإمارات في عرض هذه المسلسلات .

9ـ نشر القنوات الفضائية الغربية ضمن منظومات الأقمار الصناعية في دول العالم الثالث:

ومن المسلَّم به أن القنوات الإخبارية الغربية مثل CNN و BBC وغيرها ذات نفوذ عالمي[34] في حجم المشاهدة نتيجة لعدد مراسليها ومتابعتها للخبر لحظة وقوعه . لذلك أصبحت هذه المسلمة وسيلة لأصحاب القرار في دول العالم الثالث في جعل هذه القنوات ضمن مجموعة القنوات التي تبث ضمن الأقمار المستأجرة أو المملوكة مثل عرب سات وغيرها .

وأصبحت هذه القنوات بتوفيرها للخبر وسيلة أخرى في صياغة الرأي العام[35] وتشكيل عقول النخبة وبمتابعة سريعة لمقالات كتاب صحفنا في الشرق الأوسط يمكننا بسرعة ملاحظة تبني أفكار هذه القنوات من التيار الليبرالي وانتقادها الشديد من التيار المحافظ وحتى لا أتهم بالعمومية والسطحية فكر معي في موقف التيار الليبرالي من عملية السلام مع إسرائيل وهل تخرج طروحاتهم عن الطرح المعروض في هذه القنوات.

 وقس على ذلك قضية الاقتصاد الحر ووضع المرأة في أفغانستان في ظل حكم طالبان والموقف من العراق وكوبا وكوريا الشمالية . إنها ترجمات لكلمات ومصطلحات ومضامين نشرت في هذه القنوات وتم إعادة صياغتها بلغاتنا المحلية وتحسين وجهها بإضافة نقد خفيف أو جمل اعتراضية لشرح بعض المصطلحات والمضامين .

          وفي المقابل تأثر التيار المحافظ بهذه القنوات أيضاً ، وتحول لا إرادياً إلى متابع أول لكل ما تطر بحجة الدفاع عن القيم الوطنية والدينية ، وإليك مثالاً آخر ليوضح الصورة ، فعندما تتحدث هذه القنوات عن أخطاء طالبان في التعامل مع المرأة من المنظور الغربي ويقوم الكتاب الليبراليين المحليين بالمساهمة في ترجمة ما يطرح ينبري المحافظون للدفاع عن طالبان وعن مكانة المرأة في الإسلام ملبسين الواقع في أفغانستان بإيجابياته وسلبياته على الإسلام . فيقدمون لنا صورة المرأة في أفغانستان على أنها النموذج المفترض من المرأة المسلمة أن تتقمصه … إلخ .

          وقس على ذلك الدفاع عن تخلفنا التعليمي والسياسي بحجة أنها امتداد للتصور الإسلامي في التعليم والحكم .

          إن هذا الانجراف نحو الدفاع لمجرد الدفاع والهجوم لمجرد الهجوم هو نتيجة للطرح الغربي هذه القنوات ، ففريق ينظر إلى الغرب على أنه الحضارة الواقعة وأن اللحاق بها يجب أن يكون من جميع الأبواب الفكرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية .

          والفريق الآخر مقتنع بحجم الفشل السياسي والاقتصادي والتعليمي الذي نعيشه وحجم التقدم الذي يعيشه الغرب لكنه يرى أن الحفاظ على الواقع في دولنا بأخطائها أفضل من التفكير في التغيير لأن دعاة التغيير الليبراليين ليس لديهم أمثلة على أهمية التغيير إلا الديموقراطية في السياسة والحرية في الاقتصاد وتحرير المرأة في المسائل الاجتماعية .

          ولمعرفة تأثر الفريقين بهذه القنوات سلباً انظر لما أحدثته قناة الجزيرة الفضائية من تغيير في خريطة الفكر العربي عندما رفعت شعار الرأي والرأي الآخر ، فقد اتهمت بكل أنواع التهم من الفريقين الليبرالي والمحافظ ، فكل واحد منهم أسندها ودلل على ذلك بكل ما يستطيع إلى المعسكر المعادي له ، فقد اتهمها الليبراليون بأنها حكر على الإخوان المسلمون بدأً من الشيخ القرضاوي ولحاقاً ببعض مذيعيها كأحمد منصور ومراسليها كأسعد طه وغيره ، ورد المحافظون بأنها صنيعة إسرائيل وألفوا لها أدلة تؤكد أنها ممولة من إسرائيل ويهود العالم ، وقاموا بتحليل برامجها من خلال نظارة ذات لون واحد ، ترى أن وجهاً لوجه ، وللنساء فقط ، والرأي الآخر إنما هي أمثلة للسموم التي تحاول الجزيرة تقديمها ضمن العسل الإخباري الذي تقدمه ، لكن العجيب أن الجميع يتابعها والجميع يحاربها وهي دلالة واضحة لحجم التأثير الغربي على الفكر المحلي ، فقد أدت نظرتنا إلى الغرب وقنواته وسياساته إقتناعنا بعدم إمكانية تطورنا بالوصول إلى قناة عربية يمكنها أن تطرح الرأي وضده .

          ولم يحمي الجزيرة من هذين المعسكرين إلا محاربة أمريكا العلنية لقناة الجزيرة وحديث المتحدث باسم البيت الأبيض عنها وطلبه الصحفيين الأمريكيين عدم الأخذ عنها ثم طلب وزير الخارجية الأمريكي من أمير دولة قطر التحكم فيها ثم حديث أوربا عنها عند ذلك فقط بدأ المعسكرين ينظران إليها بنظرة أقل حدة من النظرة السابقة .

          وكما أقدم أصحاب القرار في الأقمار الصناعية المحلية على طرح قنوات الأخبار كضرورة ضمن منظومة قنواتهم طرحوا معها قنوات عامة ليست إخبارية من باب التفريج والترفيه عن مواطني أو متحدثي لغات بعينها ، فالقناة الفرنسية TV5 والقناة الألمانية والقناة اليابانية والإيطالية والأسبانية والهندية كلها قنوات تم اختيارها على أنها قنوات تخدم مواطني هذه الدول في بلادنا . وأن هذه القنوات عامة وليست مخصصة للجنس أو التنصير ، ولكن كم أخطاء هؤلاء في قرارهم فالمسألة ليست عُري أو تنصير بل المسألة هوية وثقافة توظف وشعب ملقي وشعب متلقي.

          لماذا لم يفكر هؤلاء أننا لا نستطيع طرح عرض قنواتنا (رغم رداءة طرحها) في منظومات (ستار) في أوربا أو عشرات المنظومات في قنوات الكيبل في أمريكا ، بل لماذا لا يحرض البريطانيون والأمريكان على شعور اليابانيين والألمان والإيطاليين بعرض قنواتهم في هذه الدول .

10ـ  إنشاء قنوات فضائية غربية تتحدث باللغات المحلية موجهة لدول العالم الثالث مماثلة للإذاعات الموجهة BBC و VOA  صوت أمريكا RMC راديو مونتكارلو .

          بعد نجاح على مدى أكثر من 60 عاماً في الإذاعات الموجهة من الشمال إلى الجنوب ، وبعد أن أصبحت مقولة الممثل دريد لحام في إحدى مسرحياته (إفتح على لندن لنعرف ما يحدث عندنا) حقيقة ، حيث فقد المواطن ثقته في حكوماته وإذاعاته ومل وهو يبحث عن اسم المصدر المسئول الذي يصرح ولا يعرف من هو ويأتي تصريحه بعد أيام من الخبر ، هذا الموطن الذي أصبح جزء من برنامجه اليومي متابعة هذه الإذاعات أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى جاهزاً لتقبل قنوات فضائية غربية باللغات المحلية .

          فقد تلقي القنوات الغربية الفضائية مثل CNN و BBC  برغم عجزه عن فهم اللغة الإنجليزية في متابعة أحداث حرب الخليج الثانية وحرب أفغانستان الثانية كما أن القنوات العربية الموعودة لم تصل إلى ما توقعه من الخروج من دائرة قناته الوطنية إلى قنوات مختلفة عن جيران وطنه ، فقد وجد الجميع في نفس المستوى من التخلف والتأخر .

          ولك أن تفتح قناة العراق شرقاً ثم عرج على قناة سوريا والأردن ودول الخليج واليمن واعبر البحر إلى مصر والسودان ثم ليبيا (العظمى) وتونس والجزائر والمغرب وقف في موريتانيا وتأمل .

          ما هو الجديد في هذه القنوات من الناحية السياسية ؟ الكل يمجد رؤساءه وحكوماته ويقدم طرح أخبارهم المهمة أحياناً وغير المهمة دائماً على خبر احتمال نشوء صراع نووي بين باكستان والهند وخبر تحكم طائرة جامبو ومصرع جميع ركابها وخبر انفجار في القدس وانهيار بورصة ماليزيا وغير ذلك .

          بل إن جميع هذه القنوات تمجد في أغانيها شخص الرئيس وليس النظام السياسي أو الفكري الذي تقوم عليه الدولة سواء كانت من دول الثوار أو من الدول الأخرى .

          وإذا سألت عن الجديد في هذه القنوات في نوعية البرامج فسيرتد إليك طرفك خاسئاً ، فلا فرق بينهم حتى في نوع البرامج ؛ مسابقات وبرامج أطفال تقليدية ثم برامج الرياضة وأخيراً وأولاً مسلسل مصري تفتتح به القناة وتختتم به. لقد وصل الأمر إلى أن تجد المسلسل الواحد مثل (عائلة الحاج متولي) يعرض في أكثر من عشر قنوات في نفس اليوم خلال شهر رمضان .

          ولم يخرج من هذه الدائرة إلا القنوات التجارية مثل قناة LBC و المستقبل و MBC في الأخبار واللاتي تخصصت في تقديم المرأة اللبنانية في أسوء صورها ، فهي المذيعة في الأخبار والراقصة في الفيديو كليب ومذيعة برامج اللقائات مع الفنانة وقارئة الطقس ومحور برامج المسابقات ولا يمكن أن ننسى أنها فتاة الإعلان .

          هذه الصورة التي قدمتها هذه القنوات الثلاث خصوصاً وغيرها بشكل عام عن الفتاة اللبنانية (المسيحية خصوصاً) رسمت صورة نمطية لها بأنها لعوب غير جادة وأن الهدف الأول في اختيارها شكلها وتغنجها وتكسرها قبل دراستها وحرفيتها ، ولك أن تسمع أبناء الخليج وهم يتحاورون معهن لتعرف حجم المأساة في تخلفنا الاجتماعي بشقيه الغير متحضر في الحديث مع الفتيات وتخلف هؤلاء الفتيات في تقديم أجسادهن للجمهور بدلاً من البرامج التي افترض لهن تقديمها .

          والخطر الأكبر سيكون قريباً عندما تبدأ القنوات الغربية ببث برامجها باللغات المحلية فهؤلاء الفتيات سيكن في أول قائمة المذيعات وأما مقدمي الأخبار أو البرامج الجادة فلن يخرجوا عن دائرة مذيعي القسم العربي في إذاعات BBC و VOA و RMC وغيرها .

          وبذلك سيكون المعد غربياً كما هو الحال في هذه الإذاعات الآن والمقدم عربياً أو تركياً أو باكستانياً أو غير ذلك ، وستترجم الأفلام والمسلسلات أو تدبلج إلى اللغات المحلية كما يحدث مع المسلسلات المكسيكية وتقدم الأغاني الغربية مترجمة في أسفل الشاشة بكلماتها الفاضحة وستقدم فتيات قنوات لبنان معظم برامج الترفيه ، وسيطالعنا المسئولون في وزارات الخارجية والدفاع وغيرها في أوربا وأمريكا ليتحدثوا لنا عن مواقفهم تجاه قضايانا في برامج إخبارية مؤثرة وستكتمل الصورة بالحديث مع مفكري الغرب واستعراض أدبياتهم وتقديم برامج عن أوطاننا بصورة جديدة على نمط (السياسة بين السائل والمجيب) .

          كل ذلك سيوفر ملاذاً آمناً لمواطنينا بعيداً عن قنواتنا المحلية والحديث عن استقبالات الزعماء ووداعهم وسيوفر عرياً أكثر لراغبي مشاهدة هذه البرامج أكثر مما يعرض في قنوات LBC و MBC والمستقبل ، ولتقريب الصورة ستكون النماذج أقرب إلى روزانا في MBC وبالليل ياعين في LBC ورولى على الهواء في المستقبل . وفي المجال الإخباري ستتفوق على قناة الجزيرة في تقديم الرؤساء والوزراء الأوربيين والأمريكان يومياً للحديث مع مشاهدينا كما ستكسر الحاجز السياسي الذي لم تستطع أن تكسره قناة الجزيرة في الحديث عن ملوك ورؤساء الدول في الخليج والعالم العربي وحاجز نقد الدين الإسلامي من خلال نقد التطرف الإسلامي .

          والأخطر من ذلك أن تصنف هذه القنوات الناس والدول إلى معسكرات الخير الشمالي وأتباعه والشر الجنوبي وأعوانه ، كما ستقدم لنا مفاهيم جديدة للعلاقات الأسرية وأنماط جديدة من الشذوذ المحمود والحرية الاجتماعية ، وسيحدد لنا مفهوم جديد للحق لا ينطلق من الدين وإنما من القوة ، وسنعرف عندها أن ثقافتنا جزء من الماضي وأن ذلك مكانها الطبيعي وأن الثقافة الغربية والمنزل الغربي والسياسي الغربي ورجل الأعمال الغربي نماذج القرن الواحد والعشرون .

          يومها سنعرف حجم مأساة الفلبينيين الذين مسخت ثقافتهم واستبدلت بالثقافة الغربية وأصبح كل شيء في حياتهم غربي الشكل والمضمون بدء من الدين إلى اللباس والغناء والفكر والثقافة ولم يعد لهم سوى الشكل الآسيوي ولو استطاعوا تغييره لما تأخروا عن ذلك .

          إن هذا الكلام ليس ترفاً فكرياً ولكنه واقع قادم فلقد رصد الكونجرس عام 2002م مائة مليون دولار لعمل قناة تلفزيونية باللغة العربية ( قناة الحرة) وكذلك فعلت إسرائيل وهي تتحدث الآن عن قناة تلفزيونية عربية وقد بدأت BBC بثها التجريبي قبل عدة سنوات ثم تأخر موعد البدء ، وكذلك فرنسا تدرس المشروع .

          ولك أن تدرك حجم الخطر إذا علمت أن ميزانية AOLصوت أمريكا والإشراف المباشر عليها من وزارة الخارجية الأمريكية وكذلك الحال بالنسبة لإذاعة BBC حول العالم وأن المسألة ليست ضمن لائحة العرض والطلب الاقتصاديتين وإنما استراتيجية مصالح اقتصادية سياسية عسكرية لدول الشمال يتم تنفيذها في دول الجنوب .

الخاتمة

قال تعالى:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) هذه السنة في التغير تحدث الخير والشر في مجتمعاتنا فمن رغب في الانطلاق نحو العلا فعليه أن يبادر بالتغيير ومن طأطأ رأسه في البداية للريح فلن يرفعها أبداً .

          لقد بذل الغرب دمائه وعقول أبنائه ومقدرات شعبه والشعوب التي استعمرها لينتج لنا حضارة مادية قائمة على الاحتكار المصالح بعيدة عن القيم والمثل ولا يسمع فيها لصوت الضمير كما نزعم ولا لجوعى أفريقيا أو آهات نساء فلسطين ، وما ذكرناه في هذا البحث عن استراتيجيات توضح هذا المفهوم ، فلقد ولدت وسائل الإعلام وفنونه في الغرب واستقبلناها بأفواه فاغرة وقلوب فارغة فملئت قلوبنا حباً للغرب من خلال أفلامه وبرامجه وسادت من خلال إذاعاته وأخباره واحترفنا الاستهلاك فسهل عليهم الاحتكار.

          وعندما خرجت جيوش المستعمر بقي فكره وثقافته في التعليم والإعلام والسياسة والاقتصاد فأنتج ذلك مجتمع يبحث عن هويته شرقي الشكل غربي الاتجاه ، وتكتل المستعمرون في معسكر الشمال وبقي المستعمَرين في معسكر الجنوب .

          شمالاً يملك المال والتكنولوجيا وفكراً يرغب في نشره في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية ، وجنوباً مستهلك يبحث عن هويته بعد أن تخلى عن ماضيه وتاه في حاضره .

          لكن هل كل شيء كما خططوا سيكون ؟؟ الجواب “لا” فهناك مكرهم وهناك مكر الله والله خير الماكرين . لذا وجب علينا الدفع والتوكل على الله والخروج من دائرة التواكل والركون إلى ما اقتنعنا به بأننا أقل من القدرة على التغيير ، يومها سنغير ولا نتغير وسنزرع الدنيا حباً وإيماناً بعد أن زرعها الغرب إلحاداً وفساداً .


[1] [1]  د. عواطف عبدالرحمن، قضايا التبعية الإعلامية الثقافية في دول العالم الثالث، عالم المعرفة، الكويت، 1404هـ .

[2] [2]  – A. Behrooz (ed. ) , Knowledge Transfer, A Division of Pacific & Middle East Center fo Research, University of

London, UK 1995.

[3] [3]  – Jennings Bryant and Dolf Zillman (ed.) , Media Efficts Advances in theory and Research , Lawrence Erlbaum Associates Inc , Hillsdale, NewJersey, USA, 1994.

[4] [4] – Lynne Schafer Gross (ed.), The International World of Electronic Media , California State University, Fullerton, McGraw- Hill, Inc . USA, 1995.

[5]  [5]  – – Stuart Hall and others (ed. ) Culture , Media , Language , Center for Cantemporary Cultural Studied, University of Birmingham , Koutedge , London, UK, 1992.

[6] [6]  – Robert C. Allen (ed.), To be Cuntenued.. Soap Operas Around the World , Routledge , London, UK , 1995.

[7]  [7]  د. مصطفى المصمودي النظام الإعلامي الجديد، عالم المعرفة، الكويت، 1406هـ .

[8] د. محمد عبده يماني، أقمار الفضاء غزو جديد، جهاز تلفزيون الخليج، الرياض، السعودية، 1404هـ .

([9]) حسين عمر ، المنظمات الدولية والتطورات الاقتصادية الحديثة ، تهامة ، جدة ، 1404 .

([10]) د.مصطفى المصمودي ، النظام الإعلامي الجديد، مصدر سابق .

([11]) نفس المصدر .

([12] ) نفس المصدر ص42.

[13]  جميع الإحصاءات المستخدمة في البحث مأخوذة من (كتاب اليونسكو الإصحائي السنوي عام 1999م).

– UNESCO Statistic Year Book, UNESCO, Paris, France,1999.

[14]  نفس المصدر

([15] ) د.عبدالرحمن السميط (رئيس لجنة مسلمي افريقيا) محاضرة في مؤتمر رابطة الشباب المسلم العربي 1988، أوكلاهوما ، امريكا .

([16] ) د. مصطفى المصمودي “النظام الإعلامي الجديد” مصدر سابق، ص46 .

([17] ) د.محمد يماني ، أقمار الفضاء غزو جديد، مصدر سابق، ص9 .

([18] ) نفس المصدر ص15 .

[19] د. جيهان رشتي، التنسيق والتعاون في مجال التلفزيون عالمياً وعربياً، جهاز تلفزيون الخليج، الرياض، السعودية،  1403هـ .

([20] ) د. مصطفى المصمودي ، د.عواطف عبدالرحمن، مصدرين سابقين .

[21]  انظر موقع وكالة فرانس برس في الإنترنت www.afp.com

[22] انظر موقع وكالة الأسيشيتد برس في الإنترنت www.ap.org

[23] انظر موقع وكالة رويترز في الإنترنت www.reuters.com

[24] انظر موقع وكالة إنتر فاكس في الإنترنت www.interfax-news.com

[25]  انظر موقع وكالة يونايتد برس إنترناشيونال في الإنترنت www.upi.com

([26] ) أنظر د. محمد فريد عزت : نشأة وسائل الإعلام السعودية والعالمية، دار الشروق، جدة، السعودية، 1403هـ .

([27] ) انظر د. مصطفى المصمودي، مصدر سابق .

[28] د. جيهان رشتي، الأسس العلمية لنظريات الإعلام، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، ص 295

[29]  انظر كتاب اليونسكو الإحصائي السنوي، مرجع سابق.

أنظر

  – Jennings Bryant and Dolf Zillman (ed.) , Media Efficts Advances in theory and Research انظر   .مصدر سابق

– Robert C. Allen (ed.), To be Cuntenued.. Soap Operas Around the World مصدر سابق

– – Stuart Hall and others (ed. ) Culture , Media , Language مصدر سابق

[31] انظر  Marie Gillespie, Sacred serials devotional viewing, and domestic wership, Roberte Allen (ed) مصدر سابق.

[32] [32] انظر Jesus Barber, Memory and form in the Later American Sope Opera , Ana Lapez, Our Welcomed gest ; Tele novellas in Latin America, 1999.

[33] – Robert C. Allen (ed.), To be Cuntenued.. Soap Operas Around the World مصدر سابق

[34] انظر Maxwell McCombs, News influence on our pictures of the World, in Bryant and Zillmann (ed)1994.

[35] انظر Marina Heck, The ideological dimension of media messages, in Stuart Hall and others1992

Related Articles

Back to top button